واختلفوا في خلقة آدم عليه السلام فقيل : خلق في سماء الدنيا وقيل في جنة من جنات الأرض بغربيتها كالجنة التي يخرج منها النيل وغيره من الأنهار وأكثر المفسرين أنه خلق في جنة عدن ومنها أخرج كما في "كشف الكنوز"، وفي الحديث القدسي :(خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً) يعني : أربعين يوماً كل يوم منه ألف عام من أعوام الدنيا فتركه أربعين سنة حتى يبس وصار صلصالاً وهو الطين المصوت من غاية يبسه كالفخار فأمطر عليه مطر الحزن تسعاً وثلاثين سنة ثم أمطر عليه مطر السرور سنة واحدة فلذلك كثرت الهموم في بني آدم ولكن يصير عاقبتها إلى الفرح كما قيل إن لكل بداية نهاية وإن مع العسر يسراً :
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٢
إن مع العسر و يسرش قفاست
شاد برانم كه كلام خداست
وكانت الملائكة يمرون عليه ويتعجبون من حسن صورته وطول قامته لأن طوله كان خمسمائة ذراع الله أعلم بأي ذراع وكان رأسه يمس السماء ولم يكونوا رأوا قبل ذلك صورة تشابهها فمر به إبليس فرآه ثم قال لأمر ما خلقت ثم ضربه بيده فإذا هو أجوف فدخل فيه وخرج من دبره وقال لأصحابه الذين معه من الملائكة هذا خلق أجوف لا يثبت ولا يتماسك ثم قال لهم : أرأيتم إن فضل هذا عليكم ما أنتم فاعلون؟ قالوا : نطيع ربنا فقال إبليس في نفسه والله لا أطيعه إن فضل علي ولئن فضلت عليه لأهلكنه :
عاقبت كرك زاده كرك شود†
وجمع بزاقه في فمه وألقاه عليه فوقع بزاق اللعين على موضع سرة آدم عليه السلام فأمر الله جبريل فقور بزاق اللعين من بطن آدم فحفرة السرة من تقوير جبريل وخلق الله من تلك القوارة كلباً وللكلب ثلاث خصال فأنسه بآدم لكونه من طينة وطول سهره في الليال من أثر مس جبريل عليه السلام وعضه الإنسان وغيره وأذاه من غير خيانة من أثر بزاق اللعين وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة
٩٩
وسمي بآدم لكونه من أديم الأرض لأنه مؤلف من أنواع ترابها ولما أراد الله أن ينفخ فيه الروح أمره أن يدخل فيه فقال الروح موضع بعيد القعر مظلم المدخل فقال له ثانياً ادخل فقال كذلك فقال له ثالثاً فقال كذلك فقال : ادخل كرهاً أي : بلا رضى واخرج كرهاً ولذا لا يخرج الروح من البدن إلا كرهاً فلما نفخه فيه مار في رأس آدم وجبينه وأذنيه ولسانه ثم مار في جسده كله حتى بلغ قدميه فلم يجد منفذاً فرجع منخريه فعطس فقال له ربه قل الحمدرب العالمين فقالها آدم فقال : يرحمك الله ولذا خلقتك يا آدم فلما انتهى إلى ركبتيه أراد الوثوب فلم يقدر فلما بلغ قدميه وثب فقال تعالى وخلق الإنسان عجولاً فصار بشراً لحماً ودماً وعظاماً وعصباً وأحشاء ثم كساه لباساً من ظفر يزداد جسده في كل يوم وهو في ذلك منتطق متوج وجعل في جسده تسعة أبواب : سبعة في رأسه أذنين يسمع بهما وعينين يبصر بهما ومنخرين يجد بهما كل رائحة وفماً فيه لساناً يتكلم به وحنك يجد به طعم كل شيء وبابين في جسده وهما قبله ودبره يخرج منهما ثقل طعامه وشرابه وجعل عقله في دماغه وشرهه في كليتيه وغضبه في كبده وشجاعته في قلبه ورغبته في رئته وضحكه في طحاله وفرحه وحزنه في وجهه فسبحان من جعله يسمع بعظم ويبصر بشحم وينطق بلحم ويعرف بدم فلما سواه ونفخ فيه من روحه علمه أسماء الأشياء كلها أي : ألهمه فوقع في قلبه فجرى على لسانه بما في قلبه بتسمية الأشياء من عنده فعلمه جميع أسماء المسميات بكل اللغات بأن أراه الأجناس التي خلقها وعلمه أن هذا اسمه فرس وهذا اسمه بعير وهذا اسمه كذا وعلمه أحوالها وما يتعلق بها من المنافع الدينية والدنيوية وعلمه أسماء الملائكة وأسماء ذريته كلهم وأسماء الحيوانات والجمادات وصنعة كل شيء وأسماء المدن والقرى وأسماء الطير والشجر وما يكون وكل نسمة يخلقها إلى يوم القيامة وأسماء المطعومات والمشروبات وكل نعيم في الجنة وأسماء كل شيء حتى القصعة والقصيعة وحتى الجنة والمحلب.
قال في "كشف الكنوز" اتفق جم غفير من أهل العلم على أن الأسماء كلها توقيفية من الله تعالى بمعنى أن الله تعالى خلق لآدم علماً ضرورياً بمعرفة الألفاظ والمعاني وأن هذه الألفاظ موضوعة لتلك المعاني.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٩٢
وفي الخبر لما خلق الله آدم بث فيه أسرار الأحرف ولم يبث في أحد من الملائكة فخرجت الأحرف على لسان آدم بفنون اللغات فجعلها الله صوراً له ومثلت له بأنواع الأشكال.
وفي الخبر علمه سبعمائة ألف لغة فلما وقع في أكل الشجرة سلب اللغات إلا العربية فلما اصطفاه بالنبوة رد الله عليه جميع اللغات فكان من معجزاته تكلمه بجميع اللغات المختلفة التي يتكلم بها أولاده إلى يوم القيامة من العربية والفارسية والرومية والسريانية واليونانية والعبرانية والزنجية وغيرها.


الصفحة التالية
Icon