وعن الحسن قال ابن آدم لا تحمل هم سنة على يوم كفى يومك بما فيه فإن تكن السنة من عمرك يأتك الله فيها برزقك وإلا تكن من عمرك فأراك تطلب ما ليس لك.
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ما طلعت شمس إلا وبجنبتيها ملكان يناديان وإنهما ليسمعان من على ظهر الأرض غير الثقلين يا أيها الناس هلموا إلى ربكم إن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى وما غربت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان وإنهما ليسمعان من على ظهر الأرض غير الثقلين اللهم عجل لمنفق خلفاً وعجل للممسك تلفاً، قال في "المثنوي" :
نان دهى ازبهر حق نانت دهند
جان دهى ازبهر حق جانت دهند
﴿وَقُلْنَا يا اَدَمُ اسْكُنْ أَنتَ﴾ قال القرطبي في "تفسيره" : لا خلاف أن الله تعالى أخرج إبليس عند كفره وأبعده عن الجنة وبعد إخراجه قال : يا آدم اسكن أي : لازم الإقامة واتخذها مسكناً وهو محل السكون وليس المراد به ضد الحركة بل اللبث والاستقرار ﴿وَزَوْجُكَ﴾ حواء يقال للمرأة الزوج والزوجة والزوج أفصح كما في "تفسير أبي الليث" وإنما لم يخاطبهما أولاً تنبيهاً على أنه المقصود بالحكم والمعطوف عليه تبع له ﴿الْجَنَّةَ﴾ هي دار الثواب بإجماع المفسرين خلافاً لبعض المعتزلة والقدرية حيث قالوا : المراد بالجنة بستان كان في أرض فلسطين أو بين فارس وكرمان خلقه الله تعالى امتحاناً لآدم وأولوا الهبوط بالانتقال منه إلى أرض الهند كما في قوله تعالى :﴿اهْبِطُوا مِصْرًا﴾ (البقرة : ٦١) وفيه نظر لأن الهبوط قد يستعار للانتقال إذا ظهر امتناع حقيقته واستبعادها وهناك ليس كذلك.
واختلفوا في خلقة حواء هل كانت قبل دخول الجنة أو بعده ويدل على الأول ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بعث الله جنداً من الملائكة فحملوا آدم وحواء على سرير من الذهب مكلل بالياقوت واللؤلؤ والزمرد وعلى آدم منطقة مكللة بالدر والياقوت حتى أدخلوهما الجنة ويدل على الثاني ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما خلق الله الجنة وأسكن فيها آدم بقي فيها وحده فألقى الله عليه النوم ثم أخذ ضلعاً من أضلاعه من الجانب الأيسر ووضع مكانه لحماً فخلق منه حواء ومن الناس من قال : لا يجوز أن يقال خلقت حواء من ضلع آدم لأنه يكون نقصاناً منه ولا يجوز القول بنقص الأنبياء قلنا هذا نقص منه صورة تكميل له معنى لأنه جعلها سكنه وأزال بها وحشته وحزنه فلما استيقظ وجدها عند رأسه قاعدة فسألها من أنت؟ فقالت : إني امرأة فقال : ولم خلقت؟ قالت : لتسكن إلي وأسكن إليك فقالت الملائكة : يا آدم ما اسمها قال : حواء قالوا : ولم قال لأنها خلقت من حي أو لأنها أصل كل حي أو لأنها كانت في ذقنها حوة أي : حمرة مائلة إلى السواد وقيل في شفتها وسميت مرأة لأنها خلقت من المرء كما أن آدم سمي بآدم لأنه خلق من أديم الأرض وعاشت بعد آدم سبع سنين وسبعة أشهر وعمرها تسعمائة سنة وسبع وتسعون سنة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣
واعلم أن الله تعالى خلق واحداً من أب دون أم وهو حواء وآخر من أم دون أب وهو عيسى وآخر من أب وأم أي : أولاد آدم وآخر من غير أب وأم أي : آدم فسبحان من أظهر من عجائب
١٠٦
صنعه ما يتحير فيه العقول.
ثم اعلم أن الله تعالى خلق حواء لأمر تقتضيه الحكمة ليدفع آدم وحشته بها لكونها من جنسه وليبقى الذرية على ممر الأزمان والأيام إلى ساعة القيام فإن بقاءها سبب لبعثة الأنبياء وتشريع الشرائع والأحكام ونتيجة لأمر معرفة الله فإن الله تعالى خلق الخلق لأجلها.
وفي الزوجية منافع كثيرة دينية ودنيوية وأخروية ولم يذكر الله تعالى في كتابه من الأنبياء إلا المتزوجين وقالوا : إن يحيى عليه السلام قد تزوج لنيل الفضل وإقامة السنة ولكن لم يجامع لكون ذلك عزيمة في تلك الشريعة ولذلك مدحه الله بكونه حصوراً.
وفي "الأشباه" : ليس لنا عبادة شرعت من عهد آدم إلى الآن ثم تلك العبادة لا تستمر في الجنة إلا الإيمان والنكاح.
قيل : فضل المتأهل على العزب كفضل المجاهد على القاعد وركعة من المتأهل أفضل من سبعين ركعة من عزب هذا كله لكون التزوج سبباً لبقاء النسل وحفظاً من الزنى والترغيب في النكاح يجري إلى ما يجاوز المائة الأولى من الألف الثاني كما قال عليه السلام :"إذا أتى على أمتي مائة وثمانون سنة بعد الألف فقد حلت العزوبة والعزلة والترهب على رؤوس الجبال" وذلك لأن الخلق في المائتين أهل الحرب والقتل فتربية جرو حينئذٍ خير من تربية ولد وأن تلد المرأة حية خير من أن تلد الولد، كما قال السعدي :
زنان بار دار اي مرد هشيار
اكر وقت ولادت مار زايند
ازان بهتر بنزديك خردمند
كه فرزندان نا هموار زايند
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣