﴿بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾ حال استغنى فيها عن الواو بالضمير أي : متعادين يبغي بعضكم على بعض بتضليله والعدو يصلح للواحد والجمع ولهذا لم يقل أعداء فإبليس عدو لهما وهما عدو لإبليس والحية عدو لبني آدم وهم عدوها هي تلسعهم وهم يدمغونها وإبليس يفتنهم وهم يلعنونه وكذا العداوة بين ذرية آدم وحواء بالتحاسد في الدنيا والاختلاف في الدين والعداوة مع إبليس دينية فلا ترتفع ما بقي الدين والعداوة مع الحية طبيعية فلا ترتفع ما بقي الطبع ثم هذه عداوة تأكدت بيننا وبينهم لكن حزباً يكون الله معهم كان الظفر لهم ثم قوله بعضكم لبعض عدو إخبار عن كونه أي : التعادي لا أمر بتحصيله ولما قال بعضكم لبعض عدو قال آدم الحمد حيث لم يقل أنا لكم عدو والعدو هو المجاوز حده في مكروه صاحبه.
﴿وَلَكُمْ فِى الارْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ أي : موضع قرار على وجهها أو في القبور.
ثم المستقر ثلاثة : رحم الأم قال تعالى :﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ (الأنعام : ٩٨) أودع في صلب الأب واستقر في رحم الأم، والثاني : الدنيا، قال تعالى :﴿وَلَكُمْ فِى الارْضِ مُسْتَقَرٌّ﴾ (البقرة : ٣٦) والثالث : العقبى، أما في الجنة قال تعالى :﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَااِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا﴾ (الفرقان : ٢٤) وأما في النار، قال تعالى :﴿إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ (الفرقان : ٦٦) الآية ﴿وَمَتَاعٌ﴾ أي : تمتع بالعيش وانتفاع به ﴿إِلَى حِينٍ﴾ إلى آخر أعماركم وهو حين الموت أو إلى القيامة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣
قال بعض العلماء في قوله تعالى :﴿إِلَى حِينٍ﴾ فائدة لآدم عليه السلام ليعلم إنه غير باق فيها ومنتقل إلى الجنة التي وعد بالرجوع إليها وهي لغير آدم دالة على المعاد فحسب ولما هبطوا وقع آدم بأرض الهند على جبل سرنديب ولذلك طابت رائحة أشجار تلك الأودية لما معه من ريح الجنة وكان السحاب يمسح رأسه فأصلع فأورث أولاده الصلع ووقعت حواء بجدة وبينهما سبعمائة فرسخ والطاووس بمرج الهند والحية بسجستان أو بأصفهان وإبليس بسد يأجوج ومأجوج وسجستان أكثر بلاد الله حيات ولولا العربد
١١١
تأكلها وتفنى كثيراً منه لأخليت سجستان من أجل الحيات وكانوا في أحسن حال فابتلى آدم بالحرث والكسب وحواء بالحيض والحبل والطلق ونقصان العقل والميراث وجعل الله قوائم الحية في جوفها وجعل قوتها التراب وقبح رجلي الطاووس وجعل إبليس بأقبح صورة وأفضح حالة وكان مكث آدم وحواء في الجنة من وقت الظهر إلى وقت العصر من يوم من أيام الآخرة وكل يوم من أيامها كألف سنة من أيام الدنيا.
يذكر أن الحية كانت خادم آدم عليه السلام في الجنة فخانته بأن مكنت عدوه من نفسها وأظهرت العداوة له هناك فلما أهبطوا تأكدت العداوة فقيل لها : أنت عدو بني آدم وهم أعداؤك وحيث لقيك منهم أحد شدخ رأسك قال عليه السلام :"اقتلوا الحيات واقتلوا ذات الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويسقطان الحبل" فخصهما بالذكر مع أنهما داخلان في العموم ونبه على ذلك لسبب عظيم ضررهما وما لم يتحقق ضرره فما كان منها في غير البيوت قتل أيضاً لظاهر الأمر العام وما كان في البيوت لا يقتل حتى يؤذن ثلاثة أيام لقوله صلى الله عليه وسلّم "إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئاً فآذنوه ثلاثة أيام" قال ابن الملك في "شرح المشارق" والجن لكونه جسماً لطيفاً يتشكل بشكل الحيات والجان من الحيات التي نهى عن قتلها وهي حية بيضاء صغيرة تمشي ولا تلتوي.
والصحيح أن النهي عن قتل الحيات ليس مختصاً بالمدينة بل ينهى عن قتل حيات البيوت في جميع البلاد لأن الله تعالى قال :﴿وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْءَانَ﴾ (الإحقاف : ٢٩) الآية والأبتر وذات الطفيتين تقتلان من غير إيذان سواء كانتا من حيات المدينة أم لا وإذا رأى أحد شيئاً من الحيات في المساكن يقول : أنشدكم بالعهد الذي أخذه عليكم نوح عليه السلام وأنشدكم بالعهد الذي أخذه عليكم سليمان عليه السلام أن لا تؤذونا فإذا رأى منها شيئاً بعد فليقتله ومن خاف من مضرة الحية والعقرب فليقرأ :﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ * إِنَّا كَذَالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ﴾ (الصافات : ٧٩ ـ ٨٠) فإنه يسلم بإذن الله تعالى.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣


الصفحة التالية
Icon