واعلم أن ما كان من الحيوان أصله الأذية فإنه يقتل ابتداء لأجل أذيته من غير خلاف كالحية والعقرب والفأر والوزغ وشبهها.
وفي "حواشي الخبازي" على "الهداية" قتل الحيوان إما لدفع المضرة أو لجلب المنفعة.
قال الفقير جامع هذه المجالس الأنيقة يدخل فيه قتل نحلة العسل ودود القز ونحوهما إذا لم يمكن جلب منفعتها بدون القتل فالحية أبدت جوهرها الخبيث حيث خانت آدم بأن أدخلت إبليس بين فكيها ولو كانت تنذره ما تركها تدخل به وقال إبليس : أنت في ذمتي فأمر صلى الله عليه وسلّم بقتلها وقال :"اقتلوها وإن كنتم في الصلاة" يعني الحية والعقرب، والوزغة نفخت على نار إبراهيم عليه السلام من بين سائر الدواب فلعنت وفي الحديث "من قتل وزغة فكأنما قتل كافراً" والوزغة من ذوات السموم وتفسد الطعام خصوصاً الملح وإذا لم تجد طريقاً إلى إفساده ارتقت السقف وألقت خرءها فيه من موضع يحاذيه فجبلتها على الخبث والإفساد.
والفأرة أبدت جوهرها بأن عمدت إلى حبال سفينة نوح عليه السلام فقطعتها.
والغراب أبدى جوهره حيث بعثه نبي الله نوح عليه السلام من السفينة ليأتيه بخبر الأرض فأقبل على جيفة ونزل وكذا الحدأة والسبع العادي والكلب العقور كله في معنى الحية والأمر بقتل المضر من باب الإرشاد إلى دفع المضرة،
١١٢
قال السعدي قدس سره :
سنك بر دست ومار بر سر سنك
خيره رأيي بود قياس ودرنك
وقال أيضاً :
ترحم بر لنك تيز دندان
ستمكارى بود بر كو سفندان
وفي "التأويلات النجمية" : أنه لما استقرت حبة المحبة كالبذر في قلب آدم جعل الله شخص آدم مستقر قلبه وجعل الأرض مستقر شخصه وقال :﴿وَلَكُمْ فِى الارْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ أي : التمتع والانتفاع لبذر المحبة بماء الطاعة والعبودية إلى حين إدراك ثمرة المعرفة كقوله تعالى :﴿تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينا بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ (إبراهيم : ٢٥) وعلى التحقيق ما كانت ثمرة شجرة المخلوقات إلا المعرفة لقوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات : ٥٦) أي : ليعرفون وثمرة المعرفة وإن ظهرت على أغصان العبادة ولكن لا تنبت إلا من حبة المحبة كما أخبر النبي عليه السلام :"أن داود عليه السلام قال : يا رب لماذا خلقت الخلق؟ قال : كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف" فثبت أن بذر المعرفة هو المحبة، قال في "المثنوي" :
آفتاب معرفت را نقل نيست
مشرق أو غير جان وعقل نيست
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٠٣
﴿فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِن رَّبِّه كَلِمَاتٍ﴾ الفاء للدلالة على أن التوبة حصلت عقيب الأمر بالهبوط قبل تحقق المأمور به ومن ثمة قال القرطبي إن آدم تاب ثم هبط وإليه الإشارة بقوله تعالى : اهبطوا ثانياً ومنه يعرف أن الأمر بالهبوط ليس للاستخفاف ومشوباً بنوع سخط إذ لا سخط بعد التوبة فآدم أهبط بعد أن تاب الله عليه ومعنى تلقى الكلمات استقبالها بالأخذ والقبول والعمل بها حين علمها فإن قلت ما هن؟ قلت قوله تعالى :﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا﴾ (الأعراف : ٢٣) الآية، قال الحافظ :
زاهد غرور داشت سلامت تبرد راه
رندا زره نياز بدار السلام رفت
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن أحب الكلام إلى الله تعالى ما قال أبونا آدم حين اقترف الخطيئة سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت" وعن النبي صلى الله عليه وسلّم "أن آدم قال بحق محمد أن تغفر لي قال : وكيف عرفت محمداً قال : لما خلقتني ونفخت في الروح فتحت عيني فرأيت على ساق العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه أكرم الخلق عليك حتى قرنت اسمه باسمك فقال : نعم وغفر له بشفاعته" أو الكلمات هي قول آدم عند هبوطه من الجنة يا رب ألم تخلقني بيدك من غير واسطة؟ قال : بلى قال : يا رب ألم تسكني جنتك؟ قال : بلى قال : يا رب ألم تسبق رحمتك غضبك؟ قال : بلى قال : يا رب أرأيت إن أصلحت ورجعت وتبت أراجعي أنت إلى الجنة؟ قال : نعم فالكلمات هي العهود الإنسانية والمواثيق الآدمية والمناجاة الربانية من الخليفة إلى حضرة الحق تعالى فتاب آدم إلى الله بالرجوع عن المعصية والاعتراف بذنبه والاعتذار لخطئه وسهوه.
﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ أي : فرجع الرب عليه بالرحمة وقبول التوبة وأصل التوب الرجوع فإذا وصف به العبد كان رجوعاً عن المعصية إلى الطاعة وإذا وصف به
١١٣


الصفحة التالية
Icon