فمصالحه في الأحوال الثلاثة لا تستتب إلا بالله فلا مستحق للعبادة إلا الله تعالى، ثم قوله :﴿نَعْبُدُ﴾ يحتمل أن يكون من العبادة ومن العبودة والعبادة هي العابدية والعبودة هي العبدية، فمن العبادة الصلاة بلا غفلة والصوم بلا غيبة والصدقة بلا منة والحج بلا إراءة والغزو بلا سمعة والعتق بلا أذية والذكر بلا ملالة وسائر الطاعات بلا آفة، ومن العبودة الرضى بلا خصومة والصبر بلا شكاية واليقين بلا شبهة والشهود بلا غيبة والإقبال بلا رجعة والإيصال بلا قطيعة، وأقسام العبادة على ما ذكره حجة الإسلام في كتابه المسمى "بالأربعين" : عشرة.
كما أن الاعتقادات التي قبلها عشرة، فالمعتقدات الذات الأزلية الأبدية المنعوتة بصفات الجلال والإكرام الذي هو الأول والآخر والظاهر والباطن أي : الأول بوجوده والآخر بصفاته وأفعاله والظاهر بشهادته ومكوناته والباطن بغيبه ومعلوماته، ثم التقديس عما لا يليق بكماله أو يشين بجماله من النقائص والرذائل، ثم القدرة الشاملة للممكنات، ثم العلم المحيط بجميع المعلومات حتى بدبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء وما هو أخفى منه كهواجس الضمائر وحركات الخواطر وخفيات السرائر، ثم الإرادة بجميع الكائنات فلا يجري في الملك والملكوت قليل أو كثير إلا بقضائه ومشيئته مريد في الأزل لوجود الأشياء في أوقاتها المعينة فوجدت كما أرادها، ثم السمع والبصر لا يحجب سمعه بعد ولا رؤيته ظلام فيسمع من غير أصمخة وآذان ويبصر من غير حدقة وأجفان، ثم الكلام الأزلي القائم بذاته لا بصوت ككلام الخلق وإن القرآن مقروء ومكتوب ومحفوظ ومع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى وأن موسى سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار ذات الله من غير شكل ولا لون، ثم الأفعال الموصوفة بالعدل المحض فلا موجود إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله إذ لا يضاف لغيره ملكاً ليكون تصرفه فيه ظلماً فلا يتصور منه ظلم ولا يجب عليه فعل فكل نعمة من فضله وكل نقمة من عدله، ثم اليوم الآخر، والعاشر النبوة المشتملة على إرسال الملائكة وإنزال الكتب، وأما العبادات العشرة : فالصلاة والزكاة والصوم والحج وقراءة القرآن وذكر الله في كل حال وطلب الحلال والقيام بحقوق المسلمين وحقوق الصحبة والتاسع : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعاشر : اتباع السنة وهو مفتاح السعادة وأمارة محبة الله كما قال تعالى :﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (آل عمران : ٣٨) : قال المولى الجامي قدس سره :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٧
يا نبي الله السلام عليك
إنما الفوز والفلاح لديك
كر نرفتم طريق سنت تو
هستم از عاصيان امت تو
مانداه ام زير بار عصيان بست
افتم ازباي اكر نكريى دست
وجاء في بيان مراتب العبادة المتوجهين إلى الله : إن الإنسان إذا فعل براً إن قصد به أمراً ما غير الحق كان من الأحرار لا من العبيد وإن لم يقصد أمراً بعينه بل يفعله لكونه خيراً فقط أو لكونه مأموراً به لا مطلقاً بل من حيث الحضور منه مع الآمر فهو الرجل فإن ارتقى بحيث لا يقصد بعمله غير الحق كان تاماً في الرجولية فإن كان بحيث لا يفعل شيئاً إلا بالحق كما ورد في قرب النوافل صار تاماً في المعرفة والرجولية وإن انضم إلى ما سبق حضوره مع الحق في فعله بحيث يشهده بعين الحق لا بنفسه من حيث إضافة الشهود إلى الله والفعل والإضافة إليه لا إلى نفسه فهو العبد المخلص المخلص عمله
١٨