تسن الحديد ولا تقطع
١٢٣
فلما سمعها الواعظ شهق شهقة فخر من فرسه مغشياً عليه فحملوه إلى بيته فتوفى إلى رحمة الله تعالى، قال الحافظ :
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٢
واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند
ون بخلوت ميروند آن كار ديكر ميكنند
مشكلي دارم زدانشمند مجلس باز رس
توبه فرمايان راخود توبه كمتر ميكنند
قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم :"ليلة أسري بي مررت على ناسسٍ تقرض شفاههم بمقاريض من نار فقلت : يا جبريل من هؤلاء قال هؤلاء الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم يجزون نصيبهم في نار جهنم فيقال لهم : من أنتم فيقولون نحن الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا".
قال الأوزاعي شكت النواويس إلى الله تعالى ما نجده من جيف الكفار فأوحى الله إليها بطون العلماء السوء أنتن مما أنتم فيه.
وفي الحديث "ما من عبد يخطب خطبة إلا والله تعالى سائله عنها يوم القيامة ما أراد بها".
قال الشيخ أفتادة أفندي : لو أن واعظاً يرى نفسه خيراً من المستمعين يشكل الأمر كذا إذا لم يكن من يصغي إلى كلامه مساوياً لمن يلطم على قفاه يشكل الأمر فلذلك قال عليه السلام :"كم من واعظ يلعب به الشيطان" اللهم إلا أن يقول ينتفع مني المسلمون وإن كنت معذباً في النار فهو نوع فناء لكن يخاف أن يجد حظه في ضمنه.
وقال أيضاً : من كان يعظ الناس إما أن يعتقد أنهم يعرفون ما يعرفه أو يعتقد أنهم لا يعرفون ما يعرفه فعلى الأول لا يحتاج إلى وعظه وعلى الثاني قد أثبت لهم جهلاً ولنفسه فضلاً عليهم فهو محض كبر وبالجملة حيل النفس كثيرة لا تتيسر النجاة منها إلا بمحض لطف الله تعالى وأدنى الحال أن يلاحظ قوله عليه السلام :"إن الله يؤيد هذا الدين بالرجل الفاسق" فما دام لم يصل السالك إلى الحقيقة لا يتخلص من الورطة قال عليه الصلاة والسلام :"الناس كلهم سكارى إلا العالمون" الحديث والمخلصون على خطر عظيم وإنما إلا من للمخلص بالفتح وهو الواصل إلى التوحيد الحقيقي الفاني عن القهر والكرم الخارج عن حد الوجود والعدم وهو الفناء الكلي وهم الذين أريدوا بقوله تعالى :﴿إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَـانٌ﴾ (الإسراء : ٦٥) ولا بد من رعاية الشريعة في جميع المراتب فإن الكمال فيها وإلا فهو ناقص ولذلك إن المجاذيب لا يخلون عن النقصان ألا يرى أن الأنبياء عليهم السلام لم يسمع عن واحد منهم عروض السفه والجنون فالكامل في مرتبة الكمال يكون كامل العقل حتى يحس بصرير الباب في حال استغراقه اللهم أوصلنا إلى الكمال.
جزء : ١ رقم الصفحة : ١٢٢
﴿وَاسْتَعِينُوا﴾ يا بني إسرائيل على قضاء حوائجكم ﴿بِالصَّبْرِ﴾ أي : بانتظار الظفر والفرج توكلاً على الله تعالى أو بالصوم الذي هو صبر عن المفطرات لما فيه من كسر الشهوة وتصفية النفس ﴿وَالصَّلَواةِ﴾ أي : التوسل بالصلاة والالتجاء إليها حتى تجابوا إلى تحصيل المآرب وجبر المصائب كأنهم أي : بني إسرائيل لما أمروا بما شق عليهم لما فيه من ترك الكلفة وترك الرياسة والإعراض عن المال عولجوا بذلك.
روي أنه عليه السلام "كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة".
وروي أن ابن عباس رضي الله عنهما نعي له بنت وهو في سفر فاسترجع وقال عورة سترها الله ومؤونة كفاها الله وأجر ساقه الله ثم تنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى
١٢٤
راحلته وهو يقرأ واستعينوا بالصبر والصلاة.
﴿وَإِنَّهَا﴾ أي : الاستعانة بهما ﴿لَكَبِيرَةٌ﴾ لثقيلة ساقه كقوله تعالى :﴿كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ﴾ (الشورى : ١٣) ﴿إِلا عَلَى الْخَـاشِعِينَ﴾ أي : المخبتين الخائفين والخشوع بالجوارح والخضوع بالقلب أو الخشوع بالبصر والخضوع بسائر الأعضاء وإنما لم يثقل عليهم لأنهم يستغرقون في مناجاة ربهم فلا يدركون ما يجري عليهم من المشاق والمتاعب لذلك قال صلى الله عليه وسلّم "وقرة عيني في الصلاة" لأن اشتغاله عليه السلام بالصلاة كان راحة له وكان يعد غيرها من الأعمال الدنيوية تعباً.