يقول الفقير : أشجار الجنة على صورة الإنسان يعني أن أصل الإنسان رأسه وهي في طرف العلو ورجله فرعه مع أنها في طرف السفل فكذلك أصول أشجار الجنة في طرف العلو وأغصانها متدلية إلى جانب السفل ولذا لا يرون تعباً في القطف على أن نعيم الجنة تابع لإرادة المتنعم به فيصرف فيه كيف يشاء من غير مشقة ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ بإضمار القول والجمع بعد قوله فهو باعتبار المعنى والأمر أمر امتنان وإباحة لا أمر تكليف ضرورة إن الآخرة ليست بدار تكليف وجمع بين الأكل والشرب لأن أحدهما شقيق الآخر فلا ينفك عنه ولذا لم يذكر هنا الملابس وإن ذكرت في موضع آخر يقال لمن أوتى كتابه بيمينه كلوا من طعام الجنة وثمارها واشربوا من شرابها مطلقاً ﴿هَنِياـاَا﴾ أكلا وشربا هنيئاً أي سائغاً لا تنغيص فيه في الحلقوم وبالفارسية خوردنى وآشميدنى كوارنده.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠
وجعل الهنيء صفة لهما لأن الصمدر يتناول المثنى أيضاً من هنؤ الطعام والشراب وهنء يهنأ ويهنؤ ويهنىء هناءة وهناء أي صار هنيئاً سائغاً فهو هنيء ومنه اليهنىء المشتهر في اللسان التركي في اللحم المطبوخ ويستعمله العجم بالخاء المعجمة بدل الهاء كما قال في المثنوى :
وين زاز بهرميان روزرا
يخنىء باشدشه فيروزرا
وإسناد الهناءة إلى الأكل والشرب مجاز للمبالغة لأنها للمأكول والمشروب وقولهم هنيئاً عند شرب الماء ونحوه بمعنى صحة وعافية لأن السائغ محظوظ منه بسب الصحة والعافية غالباً ﴿بِمَآ أَسْلَفْتُمْ﴾ بمقابلة ما قدمتم من الأعمال الصالحة أو بدله أو بسبه ومعنى الأسلاف في اللغة تقديم ما ترجو أن يعود عليك بخير فهو كالأقراض ومنه يقال أسلف في كذا إذا قدم فيه ماله ﴿فِى الايَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ أي الماضية في الدنيا وعن مجاهد أيام الصيام فيكون المعنى كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله في أيام الصيام لا سيما في الأيام الحارة وهو الأولى لأن الجزاء لا بد وإن يكون من جنس العلم وملائماً له كما قال بعض الكبار لم يقل أشهدوا ولا أسمعوا وإنما جوزوا من حيث عملوا ونظيره فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وقوله إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم ونظائر ذلك ورؤى بعضهم في المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال رحمني وقال كل يا من لم يأكل واشرب يا من لم يشرب فلم يقل كل يا من قطع الليل تلاوة واشرب يا من ثبت يوم الزحف فإن هذا ما تعطيه الحكمة كما في مواقع النجوم.
(وروى) يقول الله يا أوليائي طالما نظرت إليكم في الدناي وقد قلصت شفاهكم عن الأشربة وغارت أعينكم وخمصت بطونكم فكونوا اليوم في نعيمكم وكلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية.
قوله قلصت من الباب الثاني يقال قلص الظل أي نقص والماء أي ارتفع في البئر والشفة أي انوت والثوب أي انزوى بعد الغسل ومصدر الجميع القلوص والتركيب يدل على انضمام شيء بعضه إلى بعض وخمصه الجوع خمصاً ومخمصة من الباب الأول يعني باريك ميان كرد ويرا كرسنكى.
وفيه إشارة إلى أيام الأزل الخالية عن الأعمال والعلل والأسباب أي كلوا من نعيم الوصال واشربوا من شراب الفيض بما أسلفه الله لكم في الأزل
١٤٣
والقدم من العناية إذ بتلك العناية قمتم مع الحق في جميع الأحوال.
ون حسن عاقبت نه برندى وزاهديست
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠
آن به كه كارخود بعنايت رها كنند
﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه بِشِمَالِهِ﴾ تحقيراً له لأن الشمال يتشاءم بها بأن تلوى يسراه إلى خلف ظهره فيأخذه بها ويرى ما فيه من قبائح الأعمال ﴿فَيَقُولُ﴾ تحزناً وتحسراً وخوفاً مما فيه وهو من قبيل الألم الروحاني الذي هو أشد من الألم الجسمني هؤلاء يا معشر المحشر ﴿لَيْتَنِى﴾ كاشكى من.
وهو تمننٍ للمحال ﴿لَمْ أُوتَ﴾ متكمل مجهول منا لإيتاء بمعنى لم أعط ﴿كِتَـابِيَهْ﴾ هذا الذي جمع جميع سيئاتي ﴿وَلَمْ أَدْرِ﴾ متكلم من الدراية بمعنى العلم ﴿مَا حِسَابِيَهْ﴾ لما شاهد من سوء العاقبة وبالفارسية كاشكى ندانستمى امروز يست حساب من ه حاصلي نيست مرانرا جز عذاب وشدت ومحنت.
فما استفهامية معلق بها الفعل عن العلم ويجوز أن تكون موصولة بتقدير المبتدأ في الصلة يا لَيْتَهَا} تكرير للتمني وتجديد للتحسر أي يا ليت الموتة التي متها وذقتها وذلك إن الموتة وإن لم تكن مذكورة إلا أنها في حكم المذكور بدلالة المقام ﴿كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ أي القاطعة لامرى وحياتي ولم أبعث بعدها ولم ألق ألقى ما يتمنى عند مطالعة كتابه إن تدوم عليه الموتة الأولى وإنه لا يبعث للحساب ولا يلقى ما أصابه منالخجالة وسوء العاقبة ويجوز أن يكون ضمير ليتها لما شاهد من الحالة أي يا ليت هذه الحالة كانت الموتة التي قضت على يتمنى إن يكون بدل تلك الحالة الموتة القاطعة للحياة لما إنه وجد تلك الحالة أمر من الموت فتمناه عندها وكان في الدنيا أشد كراهية للموت قال الشاعر :
وشر من الموت الذي إن لقيته


الصفحة التالية
Icon