تمنيت منه الموت والموت أعظم
﴿مَآ أَغْنَى عَنِّى﴾ أيلم يدفع عني شيئاً من عذاب الآخرة على أن ما نافية والمفعول محذوف ﴿مَالِيَهْ﴾ أي الذي كان لي في الدنيا من المال والاتباع على أن ما موصولة واللام جارة داخلة على ياء المتكلم ليعم مثل الاتباع فإنه إذا كان اسماً مضافاً إلى ياء المتكلم لم يعم وفي "الكشاف" ما أغنى نفي واستفهام على وجه الإنكار أي أي شيء أغنى عني ما كان لي من اليسار انتهى.
حتى ضيعت عمري فيه أي لم ينفعني ولم يدفع عني شيئاً من العذاب فما استفهامية منصوبة المحل على أنها مفعول أغنى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠
يقول الفقير : الظاهر أن مالية هو المال المضاف إلى ياء المتكلم أي لم يغن عني المال الذي جمعته في الدنيا شيئاً من العذاب بل ألهاني عن الآخرة وضرني فضلاً عن أن ينفعني وذلك ليوافق قوله تعالى ولا يغنى عنه ماله إذا تردى وقوله ما أغنى عنه ماله وما كسب والنظائر ذلك فما ذهب إليه أكثر أهل التفسير من التعميم عدول عما ورد به ظاهر القرآن ﴿هَلَكَ عَنِّى سُلْطَـانِيَهْ﴾ قال الراغب السلاطة التمكن من القهر ومنه سمى السلطان والسلطان يقال في السلاطة نحو قوله تعالى فقد جعلنا لوليه سلطاناً وقد يقال الذي السلاطة وهو الأكثر وسميت الحجة سلطاناً وذلك لما لحق من الهجوم على القلوب لكن أكثر تسلطه على أهل العلم والحكمة من المؤمنين وقوله هلك عني سلطانيه يحتمل السلطانين انتهى.
والمعنى هلك عني
١٤٤
ملكي وتسلطي على الناس وبقيت فقيراً ذليلاً أو ضلت عني حجتي كما روى عن ابن عباس رضي الله عنهما ومعناه بطلت هجتي التي كنت أحتج بها عليهم في الدنيا وبالفارسية كم كشت از من حجتي كه دردنيا نك دران زده بودم.
ورجح هذا المعنى بأن من أوتى كتابه بشماله لا اختصاص له بالملوك بل هو عام لجميع أهل الشقاوة.
يقول الفقير : قوله تعالى :﴿مَآ أَغْنَى عَنِّى مَالِيَهْ﴾ يدل على الأول على أن فيه تعريضاً بنحو الوليد من رؤساء قريش وأهل ثروتهم، ويجوز أن يكون المنى تسلطي على القوى والآلات فعجزت عن استمالها في العبادات وذلك لأن كل أحد كان له سلطان على نفسه وماله وجوارحه يزول في القيامة سلطانه فلا يملك لنفسه نفعاً خذوه} حكاية لما يقول الله يومئذٍ لخزنة النار وهمالزبانية الموكلون على عذابه والهاء راجع إلى من الثاني أي خذوا العاصي لربه ﴿فَغُلُّوهُ﴾ بلا مهلة أي أجمعوا يديه إلى عنقه بالقيد ولحديذد وشدوه به يقال غل فلان وضع في عنقه أو يده الغل وهو بالضم الطوق من حديد الجامع لليد إلى العنق المانع عن تحرك الرأس وبالتفح دست باكردن بستن.
وفي الفقه وكره جعل الغل في عنق عبده لأنه عقوبة أهل النار وقال الفقيه إن في زماننا جرت العادة بذلك إذا خيف من الأباق كمال في الكبرى بخلاف التقييد فإنه غير مكروه لأنه سنة المسلمين في المتمردين ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ﴾ دل التقديم على التخصيص والمعنى لا تصلوه أي لا تدخلوه إلا الجحيم ولا تحرقوه إلافيها وهي النار العظمى ليكون الجزاء على وفق المعصية حيث كان يتعظم على الناس قال سعدى المفتي فيكون مخصوصاً بالمتعظمين وفيه بحث انتهى.
وقد مر جوابه ﴿ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍ﴾ من نار وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة والجار متعلق بقوله فاسلكوه والفاء ليست بمانعة عن التعلق ﴿ذَرْعُهَا﴾ طولها وبالفارسية كزان.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠
والذراع ككتاب ما يذرع به حديداً أو قضيباً وفي المفردات الذارع العضو المعروف ويعبر به عن المذروع والممسوح يقال ذراع من الثوب والأرض والذرع يمودن.
قوله ذرعها مبتدأ خبره قوله ﴿سَبْعُونَ﴾ والجملة في محل الجر على إنها صفة سلسلة وقوله ﴿ذِرَاعًا﴾ تمييز ﴿فَا سْلُكُوهُ﴾ السلك هو زدخال في الطريق والخيط والقيد وغيرها ومعنى ثم الدلالة على تفاوت ما بين العذابين الغل وتسلية الجحيم وما بينهما وبين السلك في السلسلة في الشدة لا على تراخي المدة يعني إن ثم أخرج عن معنى المهلة لاقتضاء مقام التهويل ذلك إذ لا يناسب التوعد يتفرق العذاب قال ابن الشيخ إن كلمتي ثم والقاء إن كانتا لعطف جملة فاسلكوه لزم اجتماع حرفي العطف وتواردهما على معطوف واحد ولا وجه له فينبغي أن يكون كلمة ثم لعطف مضمر على مضمر قبل قوله خذوه أي قيل : لخزية النار خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم قيل لهم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه فيكون الفاء لعطف لمقول على المقول مع إفادة معنى التعقيب وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على أن الأمر الأخير أشد وأهول مما قبله من الأومر مع تعاقب المأمور بها من الأخذ وجعل يده مغلولة إلى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم إياه السلسلة الموصوفة والمعنى فأدخلوه فيها بأن تلفوها على جسده وتجعلوه محاطاً بها فهو فيما بينها مرهق مضيق عليه
١٤٥