كرر القول مبالغة في إبطال أقاويلهم الكاذبة على القرآن الحق والرسول الصادق والكاهن هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان ويدعى معرفة الأسرار ومطلعة علم الغيب وفي كشف الأسرار الكاهن هو الذي يزعم أن له خدماً من الجن يأتونه بضرب من الوحي وقد انقطعت الكهانة بعد نبينا محمد عليه السلام، لأن الجن حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى.
وقال الراغب في المفردات الكاهن الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية بضرب من الظن كالعراف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطىء ويصيب عليه السلام، من أتى عرافاً أو كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما زل الله على محمد ويقال كهن فلان كهانة إذا تعاطى ذلك وكهن إذا تخصص بذلك وتكهن تكلف ذلك انتهى.
وفي شرح المشارق لابن الملك العراف من يخبر بما أخفى من السمروق ومكن الضالة والكاهن من يخبر بما يكون في المستقبل وفي الصحاح العراف الكاهن ﴿قَلِيلا مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ أي تذكراً قليلاً أو زماناً قليلاً تتذكرون أي لا تتذكرون أصلاً.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠
قال الكاشفي) : اندكى ندميكيريد يعني ندكير نمى شويد.
(وفي كشف الأسرار) اندك ندمى ذيريد ودرمى باييد.
(وفي تاج المصادر) التذكر يادكردن ويا ياد آوردن وندكرفتن ومذكرشدن كلمه كه مؤنث بود.
وقال بعضهم المراد من الإيمان القليل إميانهم واستيقانهم بأنفسهم وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفي وقال بعضهم : إن كان المراد منه الإيمان الشرعي فالتقليل للنفي وإن كان اللغوي فالتقليل على حاله لأنهم كانوا يصدقون
١٤٩
ببعض أحكام القرآن كالصلة والخير والعفاف ونحوها ويكذبون ببعضها كالوحدة والحقانية والبعث ونحوها وعلى هذا التذكر قيل ذكر الإيمان مع نفي الشاعرية والتذكر مع نفي الكاهنية لما إن عدم مشابهة القرآن الشعر أمر بين لا ينكره إلا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الإيمان فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة فإنها تتوقف على تذكر أحواله عليه السلام، ومعاني القرآن المنافية لطريفة الكهنة ومعاني أقوالهم فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوائع والأخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيراً ويأخذ جعلاً على ذلك ويقتصر على من يسأله وليس واحد منها من دأبه عليه السلام والحاصل إن الكاهن من يأتيه الشياين ويلقون إليه من أخبار السماء فيخبر الناس بما سمعه منهم وما يلقيه عليه السلام، من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين فإنهم لا ينزلون شيئاً فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم وكذا معاني ما يلقيه عليه السلام، منافية لمعاني أقوال الكهنة فإنهم لا يدعون إلى تهذيب الأخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد بخلاف معاني قوله عليه السلام، فلو تذكر أهل مكة معاني القرآن ومعاني أقوال الكهنة لما قالوا بأنه كاهن وفي برهان القرآن خص ذكر الشعر بقوله ما تؤمنون لأن من قال القرآن شعر ومحمد عليه السلام، شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرآن في الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه فلكفره وقلة إيمانه فإن الشعر كلام موزون مقفى وخص ذكر الكهانة بقول ما تذكرون لأن من ذهب إلى أن القرآن كهان وأن محمداً عليه السلام، كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهانفإنه إسجاع لا معاني تحتها وأوضاع تنبو الطباع عنها ولا يكون في كلامهم ذكر الله انتهى.
قال المولى أبو السعود في الإرشاد : وأنت خبير بأن ذلك أيضاً مما لا يتوقف على تأمل قطعاً انتهى.
أي فتعليلهم بالفرق غير صحيح وفيه إن الإنابة شرط للتذكر كما قال تعالى :[يس : ٥]﴿وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلا مَن يُنِيبُ﴾ والكافر ليس من أهل الإنابة وأيضاً ما يذكر إلا أولوا الألباب أي أولوا العقول الزاكية والقلوب الطاهرة والكافر ليس منهم فليس من أهل التذكر ولاشك أن كون الشيء أمراً بينا لا ينافي التذكر ألا ترى إلى قوله تعالى : إله مع الله قليلاً ما تذكرون مع أن شواهد الألوهية ظاهرة لكل بصير باهرة عند كل خبير على إنه يظهر من تقريارتهم إنه لا بد من التذكر في نفي الكهانة لخفاء أمرها في الجملة بالنسبة إلى الشعر والعلم عند الله العلام تنزيل} أي هو منزل فعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة ﴿مِّن رَّبِّ الْعَـالَمِينَ﴾ نزله على لسان جبريل تربية للسعداء وتبشيراً لهم وإنذاراً للأشقياء كما قال تعالى :﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الامِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ﴾ وقال تعالى : ومبشراً ونذيراً.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٣٠