قال بعض الكبار كل من اتصف بالأمانة وكتم الأسرار سمع كلام الموتى وعذابهم ونعيمهم كما سمعت البهائم عذاب أهل القبور لعدم النطق وكذلك يسمع من اتصف بالأمانة كلام أعضائه له في دار الدنيا لأنها حية ناطقة ولذلك تستشهد يوم القيامة فتشهد ولا يشهد إلا عدل مرضي بلا شك.
وفي التأويلات النجمية : يشير إلى الأمانة المعروضة على السموات والأرض والجبال وهي كمال المظهرية وتمام المضاهاة الإلهية وإلى عهد ميثاق ألست بربكم قالوا بلى ورعاية ذلك لعهد أن لا يخالفه
١٦٦
بالمخالفات الشرعية والموفقات الطبيعية وقال بعضهم والذين هم لأماناتهم التي استودعوها بحسب الفطرة من المعارف العقلية وعهدهم الذي أخذ الله ميثاقه منهم في لأزل راعون بأن لم يدنسوا الفطرة بالغواشي الطبيعية والإهواء النفسانية ﴿وَالَّذِينَ هُم بِشَهَـادَاتِهِمْ﴾ الباء متعلق بقوله ﴿قَآاـاِمُونَ﴾ سواء كانت للتعدية أم للملابسة والجمع باعتبار أنواع الشهادة أي مقيمون لها بالعدل ومؤدونها في وقتها أحياء الحقوق الناس فالمراد بالقيام بالشهادة أداؤها عند الأحكام على من كانت هي عليه من قريب أو بيعد شريف أو وضيع قال عليه السلام : إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع وتخصيصها بالذكر مع اندرجها في الأمانات لإبانة فضلها لأن في إقامتها إحياء الحقوق وتصحيحها وفي كتمها وتركها تضييعها وإبطالها وفي الأشباه إذا كان الحق يقوم بغيرها أو كان القاضي فاسقاً أو كان يعلم إنها لا تقبل جاز الكتمان وفي فتح الرحمن تحمل الشهادة فرض كفاية وأداؤها إذا تعين فرض عين ولا يحل أخذ أجرة عليها بالاتفاق فإذا طلبه المدعى وكان قريباً من القاضي لزمه الشمي إليه وإن كان بعيدا أكثر من نصف يوم لا يأثم بتخفه لأنه يلحقه الضرر وإن كان الشاهد يقدر على المشي فأركبه المدعي من عنده لا تقبل شهادته وإن كان لا يقدر فأركبه لا بأس به ويقتصر في المسلم على ظاهر عدالته عند أبي حنيفة رحمه الله إلا في الحدود والقصاص فإن طعن الخصم فيه سأل عنه وقال صاحباه يسأل عنهم في جميع الحقوق سراً وعلانية وعليه الفتوى وجعل بعضهم شهادة التوحيد داخلة فيها كما قال سهل رحمه الله، قائمون بحفظ ما شهدوا به من شهادة أن لا إله إلا الله فلا يشركون به في شيء من الأفعال والأقوال وقال القاشاني : في الآية أي يعملون بمقتضى شاهدهم من العلم فكل ما شهدوه قاموا بحكمه وصدروا عن حكم شاهدهم لا غير
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣
﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ تقديم على صلاتهم يفيد الاختصاص الدال على أن محافظتهم مقصورة على صلاتهم لا تتجاوز إلى أمور دنياهم أي يراعون شرائطها ويكملون فرائضها وسننها ومستحباتها وآدابها ويحفظونها من الإحباط باقتران الذنوب فالدوام المذكور أو لا يرجع إلى نفس الصلوات والمحافظة إلى أحوالها وفي المفردات فيه تنبيه على إنهم يحفظون الصلاة بمراعاة أوقاتها وأركانها والقيام بها في غاية ما يكون من الطوق فإن الصلاة تحفظهم بالحفظ الذي نبه عليه في قوله إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وفي الحديث :"من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا جاة وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي ابن خف وهو الذي ضربه النبي عليه السلام، في غزوة أحد برمح في عنقه فمات منه في طريق مكة وكان أشد وأطغى من أبي جهل دل عليه كونه مقتولاً بيد النبي عليه السلام، ولم يقتل عليه السلام، بيده غيره وبعض العلماء جعل المحافظة شاملة للإدامة على ما هو الظاهر من قوله تعالى :﴿حَـافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ﴾ فيكون من قبيل التعميم بعد التخصيص لتتميم الفائدة وللإشعار بأن الصلاة أول ما يجب على العبد أداؤه بعد الإيمان وآخر ما يجب عليه رعايته بعده كما سبق.
وكفتم اند دوام تعلق بفرائض دارد ومحافظت بنوافل.
والحاصل إن
١٦٧


الصفحة التالية
Icon