وقيل : عاجزين لأن من سبق إلى شيء عجز ﴿فَذَرْهُمْ﴾ فخلهم وشأنهم ﴿يَخُوضُوا﴾ ويشرعوا في باطلهم الذي من جملته ما حكى عنهم وهو جواب الأمرو هو تهذديد لهم وتوبيخ كقوله :﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّه بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ في الدنيا بالاشتغال بما لا ينفعهم وأنت مشتغل بما أمرت به وهذه الآية منسوخة بالسيف ﴿حَتَّى يُلَاقُوا﴾ من الملاقاة بمعنى المعاينة ﴿يَوْمَهُمُ﴾ هو يوم البعث عند النفخة الثانية والإضافة لأنه يوم كل الخلق وهم منهم أو لأن يوم القيامة يوم الكفار من حيث العذاب ويوم المؤمنين من جهة الثواب فكأنه يومان يوم للكافرين ويوم للمؤمنين ﴿الَّذِى يُوعَدُونَ﴾ الآن أو على الاستمرار وهو من الوعد كقولهم متى هذا الوعد ويجوز أن يكون من الإيعاد وهو بالفارسية بيم كردن ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الاجْدَاثِ﴾ بدل من يومهم ولذا حمل على يوم البعث جمع جدث وهو القبر ﴿سِرَاعًا﴾ حال من مرفوع يخرجون جمع سريع كظراف جمع ظريف أي مسرعين إلى جانب الداعي وصوته وهو إسرافيل ينادي على الصخرة كما سبق ﴿كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ﴾ حال ثانية من المرفوع وو كل ما نصب فعبد من دون الله وعن ابن عمر رضي الله عنهما هو شبكة يقع فيها الصيد فيسارع إليها صاحبها واحد الأنصاب كما قال تعالى وما ذبح على النصب وكان للعرب حجارة تعبدها وتذبح عليها وقال الأخفش جمع نصبك رهن ورهن والأنصاب جمع الجمع ﴿يُوفِضُونَ﴾ من الإيفاض وهو بالفارسية شتافتن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص١٧٠ حتى ص١٨١ رقم١٨
وأصله متعد أي يسرعون أيهم يستمله أولاً وفيه تهجين لحالهم الجاهلية وتهكم بهم بذكر جهالتهم التي اعتادوها من الإسراع إلى ما لا يملك نفعاً ولا ضراً ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ حال من فاعل يوفضون وأبصارهم فاعلها على الإسناد المجازي يعني وصفت أبصارهم بالخشوع مع إنه وصف الكل غاية ظهور آثاره فيها والمعنى ذليلة خاضعة لا يرفعون ما يتوقعون من العذاب ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ هو أيضاً حال من فاعل يوفضون أي تغشاهم ذلة شديدة وحقارة عظيمة وهو بالفارسية خوارى ونكونسارى ﴿ذَالِكَ﴾
١٧٠
اليوم المذكور الذي سيقع فيه الأحوال الهائلة وهو مبتدأ خبره قوله ﴿الْيَوْمُ الَّذِى كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ أي يوعدونه في الدنيا على ألسنة الرسل وهم يكذبون به فاندفع توهم التكرار لأن الوعد الأول محمول على الآتي والاستمراري كما مر وهذا الوعد محمول على الماضي بدلالة لفظ كان وفي الذلة إشارة إلى ذلة الأنانية فإنهم يوم يخرجون من الأجداث يسارعون إلى صور تناسب هيئاتهم الباطنة فيكون أهل الأنانية في أنكر الصور بحيث يقع المسخ على ظاهرهم وباطنهم كما وقع لإبليس بقوله أنا خير منه فكما إن إبليس طرد من مقام القرب ورهقته ذلة البعد فكذا من في حكمه من الأنس ولذا كان السلف يبكون دماً من الأخلاق السيئة لا سيما ما يشعر بالأنانية من آثار التعيين فإن التوحيد احقيقي هو أن يصير العبد فانياً عن نفسه باياً بربه فإذا لم يحصل هذا فقد بقي فيه بقية من الناصوتية وكل إناء يرشح بما فيه فطوبى لمن ترشح منه الحق لا النفس والله أسأل أن يكرمني به وإياكم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٥٣
تفسير سورة نوح
مكية وآيها سبع أو ثمان وعشرون
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧٠
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١


الصفحة التالية
Icon