﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ مر سر نون العظمة مراراً والإرسال يقابل بالإمساك يكون للتسخير كإرسال الريح والمطر ببعث من له اختيار نحو إرسال الرسل وبالتخلية وترك المنع نحو إنا أرسلنا على الكافرين قال قتادة أرسل نوح من جزيرة فذهب إليهم ونوح اسمه عبد الغفار عليه السلام، سمى نوحاً لكثرة نوحه على نفسه أو هو سرياني معناه الساكن لأن الأرض طهرت من خبث الكفار وسكنت إليه وهو أول من أوتى الشريعة في قول وأول أولى العزم من الرسل على قول الأكثرين وأول نذير على الشكر وكان قومه يعبدون الأصنام وأول من عذبت أمته وهو شيخ المرسلين بعث ابن أربعين سنة أو ثلاثمائة وخمسين أو أربعمائة وثمانين ولبث فيهم ألف سنة إلا خمسن عاماً وعاش بعد الطوفان تسعين سنة قال بعض من تصدى للتفسير فيه دلالة على أنه لم يرسل إلى أهل الأرض كلهم لأنه تعالى قال لي قومه فلو أرسل إلى الكل لقيل إلى الخلق أو ما يشابهه كما قيل لرسول الله وما أرسلناك إلاك افة للناس ولقول رسول الله كان البني يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ثم قال : إن قيل فما جريمة غير قومه حتى عممهم في الدعاء عليهم كما قال لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً فإنه إذا لم يرسل إليهم لم يكن كلهم مخالفاً لأمره وعاصياً له حتى يستحقوا الدعاء بالإهلاك أجيب بأنه يحتمل إنه تحقق إن نفوس كفرة زمانه على سجية واحدة يستحقون بذلك أن يدعى عليهم بالإهلاك أيضاً انتهى وفنه نظر لأنه قال في إنسان العيون في قوله عليه السلام : وكان كل نبي إنما يرسل إلى قومه أي جميع أهل زمنه أو جماعة منهم خاصة ومن الأول نوح عليه السلام، فإنه كان مرسلاً لجميع من كان في زمنه من أهل اآوض ولما أخبر بأنه لاي ؤمن منهم إلا من آمن معه وهم أهل السفينة وكانوا ثمانين أربعين رجلاً وأربعين امرأة أو كانوا
١٧١
أربعمائة كما في العوارف وقد يقال من الآدميين وغيرهم فلا مخالفة دعا على من عدا من ذكر باستئصال العذاب لهم فكان الطوفان الذي كان به هلاك جميع أهل الأرض إلا من آمن ولو لم يكن مرسلاً إليهم ما دعا عليهم بسب مخالفتهم له في عبادة الأصنام لقوله تعالى :[الإسراء : ١٥-٤]﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ﴾ أي في الدنيا حتى نبعث رسولا وقول بعض المفسرين أرسل إلى آل قابيل لا ينافي ما ذكر لأنه يجو أن يكون آل قابيل أكثر أهل الأرض وقتئذٍ وقد ثبت أن نوحاً عليه السلام، أول الرسل أي لمن يعبد الأصنام لأن عبادة الأصنام أول ما حدثت في قومه وأرسله الله إليهم ينهاهم عن ذلك وحينئذٍ لا يخالف كون أول الرسل آدم أرسله الله إلى أولاده بالإيمان به تعالى وتعليم شرائعه فإن قلت إذا كانت رسالة نوح عامة لجميع أهل الأرض كانت مساوية لرسالة نبينا عليه السلام، قلت : رسالة نوح عليه السلام، عامة لجميع أهل الأرض في زمنه ورسالة نبينا محمد عليه السلام عامة لجميع من في زمنه ومن يوجد بعد زمنه إلى يوم القيامة فلا مساوة وحينئذٍ يسقط السؤال وهو أنه لم يبق بعد الطوفال إلا مؤمن فصارت رسالة نوح عامة ويسقط جواب الحافظ ابن حجر عنه بأن هذا العموم الذي حصل بعد الطوفان لم يكن من أصل بعثته بل طرأ بعد الطوفان بخلاف رسالة نبينا عليه السلام أن} أي
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١


الصفحة التالية
Icon