﴿أَنذِرْ قَوْمَكَ﴾ خوفهم بالنار على عبادة الأصنام كي ينتهوا عن الشرك ويؤمنوا بالله وحده فإن مفسرة لما في الإرسال من معنى القول ويجوز أن تكون مصدرية حذف منها الجار وأوصل إليها الفعل أي بأن أنذرهم وجعلت صلتها أمراً كما في قوله تعالى :[يونس : ١٠٥-١]﴿وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ﴾ لأن مدار وصلها بصيغ الأفعال دلالتها على المصدر وذلك لا يختلف بالخبرية والإنشائية ووجوب كون الصلة خبرية في الموصول الاسمي إنما هو للتوصل إلى وصف المعارف بالجمل وهي لا توصف إلا بالجمل الخبرية وليس الموصول الحرفي كذلك وحيث استوى الخبر والإنشاء في الدلالة على المصدر استويا في صحة الوصل بها فيتجرد عند ذلك كل منهما عن المعنى الخاص بصيته فيبقى الحدث المجرد عن معنى الأمر وللنهي والمضي والاستقبال كأنه قيل أرسلناه بالإنذار كذا في الإرشاد وقال بعض العرافين الأنبياء والأولياء في درجات القرب على تفاوت فبعضهم يخرج من نور الجلال وبعضهم من نور الجمال وبعضهم من نرو العظمة وبعضهم من نور لكبرياء فمن خرج من نور الجمال أورث قومه البسط والأنس ومن خرج من نور العظمة أو رث قومه الهيبة والجلال وكان نوح مشكاة نور عظمة الله ولذلك أرسله إلى قومه بالإنذار فلما عصوه أخذهم بالقهر من قبل أن يأتيهم} من الله تعالى ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ عاجل كالطوفان والغرق أو آجل كعذاب الآخرة لئلا يبقى لهم عذر ما أصلا كما قال تعالى : لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل والأليم بمعنى المؤلم أو المتألم مبالغة والألم جسماني وروحاني والثاني أشد كأنه قيل فما فعل نوح عليه السلام فقيل ﴿قَالَ﴾ لهم يا قَوْمِ} أي كروه من وأصله يا قومي خاطبهم بإظهار الشفقة عليهم وإرادة الخير لهم وتطبيباً لهم ﴿إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌ﴾ منذر من عاقبة الكفر والمعاصي وأفرد الإنذار مع كونه بشيراً أيضاً لأن الإنذار أقوى في تأثير الدعوة لما إن أكثر الناس يطيعون أولاً بالخوف من القهر وثانيا بالطمع في العطاء وأقلهم يطيعون
١٧٢
بالمحبة للكمال والجمال.
يقول الفقير : الظاهر إن الإنذار أول الأمر كما قال تعالى لنبينا عليه السلام ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ والتبشير ثاني الأمر كما قال تعالى : وبشر المؤمنين فالإنذار يتعلق بالكافرين والتبشير بالمؤمنين وإن أمكن تبشير الكفار بشرط الإيمان لا في حال الكفر فإنهم في حال الكفر إنما يستحقون التبشير التهكمي كما قال تعالى : فبشرهم بعذاب أليم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١
مبين} موضح لحقيقة الأمر بلغة تعرفونها أو بين الإنذار ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ متعلق بنذير أي بأن اعبدوا الله والأمر بالعبادة يتناول جميع الواجبت والمندوبات من أفعال القلوب والجوارح ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ يتناول الزجر عن جميع المحظورات والمكروهات ﴿وَأَطِيعُونِ﴾ يتناول أمرهم بطاعته في جميع المأمورات والمنهيات والاعتقاديات والعمليات.