﴿وَمَكَرُوا﴾ عطف على صلة من لان المكر الكبار يليق بكبر آئهم والجمع باعتبار معناها والمكر الحيلة الخفية وفي كشف الأسرار المكر في اللغة غاية الحيلة وهو من فعل الله تعالى إخفاء التدبير ﴿مَكْرًا كُبَّارًا﴾ أي كبيراً في الغاية وقرىء بالتخفيف والأول أبلغ منه وهو أبلغ من الكبير نحو طوال وطوال وطويل ومعنى مكرهم الكبار احتيالهم في منع الناس عن الدين ونحريشهم لهم علا أذية نوح قال الشيخ لما كان التوحيد أعظم المراتب كان المنع منه والأمر بالشرك أعظم الكبائر فلذا وصفه الله بكونه مكراً كباراً ﴿وَقَالُوا﴾ أي الرؤساء للاتباع والسفلة ﴿لا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ﴾ أي لا تتركوا عبادتها على الإطلاق إلى عبادة رب نوح ومن عطف مكروا على اتبعوا يقول معنى وقالوا وقال بعضهم لبعض فالقائل ليس هو الجمع ﴿وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا﴾ جرد الأخيرين عن حرف النفي إذ بل التأكيد نهايتع وعلم أن القصد إلى كل فرد فرد لا إلى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرون عبادة هؤلاء خصوصاً فهو لا إلى المجموع من حيث هو مجموع والمعنى ولا تذرن عبادة هؤلاء خصوصاً فهو من عطف الخاص على العام خصوصاً بالذكر مع اندراجها فيما سبق لأنها كانت أكبر أصنامهم وأعظم ما عندهم وقد انتقلت هذه الأصنام بأعيانها عنهم إلى العرب فكان ود لكلب بدومة الجندل بضم دال دومة ولذلك سمت العرب بعبد ود قال الراغب : الود صنم سمى بذلك إما لمودتهم له أو لاعتقادهم أن بينه وبين الباري تعالى مودة تعالى عن ذلك وكان سواع لهمدان بسكون الميم قبيلة باليمن ويغوث لمذحج كمجلس بالذال المعجمة وآخره جيم ومنه كانت العرب تسمى عبد يغوث ويعول لمراد وهو كغراب أبو قبيلة سمى به لأنه تمرد ونسر لحمير بكسر الحاء وسكون الميم بوزن درهم موضع عربي صنعاء اليمن وقيل انتقلت أسماؤها إليهم فاتخذوا أمثالها فعبدوها إذ يبعد بقاء أعيان تلك الأصنام كيف وقد خربت الدنيا في زمان الطوفان ولم يضعها نوح في السفينة لأنه بعث لنفيها وجوابه إن الطوفان دفنها في ساحل جدة فلم تزل مدفونة حتى أخرجها اللعين لمشركي العرب نظيره ما روى إن آدم عليه السلام كتب اللغات المختلفة في طين وطبخه فلما أصاب الأرض الغرق بقي مدفوناً ثم وجد كل قوم كتاباً فكتبوه فأصاب إسماعيل عليه السلام، الكتاب العربي وقيل هي أسماء رجال صالحين كانوا بينآدم ونوح وقيل من أولاد آدم ماتوا فحزن الناس عليهم حزناً شديداً واجتمعوا حول قبورهم لا يكادون يفارقونها وذلك بأرض بابل فلما رأى إبليس فعلهم ذلك جاء إليهم في صورة إنسان وقال لهم هل لكم أن أصور لكم صورهم إذا نظرتم إليها ذكرتموهم واستأنستم وتبركتم بهم قالوا نعم فصور لهم صورهم من صفر ورصاص ونحاس وخشب وحجر وسمى تلك الصور بأسمائهم ثم لما تقادم الزمن وانقرضت الآباء والأبناء وأبناء الأبناء قال لمن حدث بعدهم إن من قبلكم كانوا يعبدون هذه الصور فعبدوها في زمان مهلاً ييل بن
١٨١
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١
قينان ثم صارت سنة في العرب في الجاهلية وذلك إما بإخراج الشيطان اللعين تلك الصور كما سبق أو بابه كان لعمرو بن لحي وهو أول من نصب الأوثان في الكعبة تابع من الجن فقال له اذهب إلى جدة وائت منها بالآلهة التي كانت تعبد في زمن نوح وإدريس وهي ود الخ فذهب وأتى بها إلى مكة ودعا إلى عبادتها فانتشرت عبادة الأصنام في العرب وعاش عمرو بن لحي ثلاثمائة وأربعين سنة ورأى من ولده وولد ولد ولده الف مقاتل ومكث هو وولده في ولاية البيت خمسمائة سنة ثم انتقلت الولاية إلى قريش فمكثوا فيها خمسمائة أخرى فكان البيت بيت الأصنام ألف سنة وذكر الامام الشعراني أن أصل وضع الأصنام إنما هو من قوة التنزيه من العلماء الأقدمين فإنهم نزهوا الله عن كل شيء وأمروا بذلك عامتهم فلما رأوا بعض عامتهم صرح بالتعطيل وضعوا لهم الأصنام وكسوها الديباج والحلى والجواهر وعظموها بالسجود وغيره ليتذكروا بها الحق الذي غاب عن عقولهم وغاب عن أولئك العلماء إن ذلك لا يجوز إلا باذل من الله تعالى هذا كلامه قال السهيلي ولا أدري من اين سرت لهم تلك الأسماء القديمة أمن قبل الهند فقد ذكر عنهم إنهم كانوا المبدأ في عبادتهم الأصنام بعد نوح أم الشيطان ألهمهم ما كانت عليه الجاهلية الأولى قبل نوح وفي التكملة روى تقي بن مخلد أن هذه الأسماء المذكورة في السورة كانوا أبناء آدم عليه السلام من صلبه وأن يغوث كان أكبرهم وهي أسماء سريانية ثم وقعت تلك الأسماء إلى أهل الهند فسموا بها أصنامهم التي زعموا إنها على صور الدراري السبعة وكانت الجن تكلمهم من جوفها فافتتنوا بها ثم أدخلها إلى أرض العرب عمرو بن لحي بن قمعة بن الياس بن مضر فمن قبله سرت إلى أرض العرب وقيل كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد ويعوق على صورة فرس ونسر على صورة نسر وهو طائر عظيم لأنه ينسر الشي ويقتلعه.


الصفحة التالية
Icon