خص أولاً من يتصل به نسباً وديناً لأنهم أولى وأحق بدعائه ثم عمم المؤمنين والمؤمنات وفي الحديث :"ما الميت في القبر إلا كالغريق المتنغوث ينتظر دعوة تلحقه من أب أو أخ أو صديق فإذا لحقته كانت أحب إليه من الدنيا وما فيها وإن الله ليدخل على أهل القبور من دعاء أهل الأرض أمثل الجبال وإن هدية الإحياء إلى الأموات الاستغفار لهم ﴿وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا تَبَارَا﴾ أي هلاكاً وكسرا وبالفارسة مكر هلاكي بسختي.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١
والتبرد قاق الذهب قال في الأول ولا تزد الظالمين الإضلالا لأنه وقع بعد قوله وقد أضلوا كثيراً وفي الثاني الاتبارا لأنه وقع بعد قوله لا تذر على الأرض الخ.
فذكر في كل مكان ما اقتضاه وما شاكل معناه ولظاهر أنه عليه السلام أراد بالكافرين والظالمين الذين كانوا موجودين في زمانه متمكنين في الأرض ما بين المشرق والمغرب فمسؤوله أن يهلكهم الله فاستجيب دعاؤه فعمهم الطوفان بالغرق وما نقل عن بعض المنجمين من أنه أراد جزيرة العرب فوقع الطوفان عليهم دون غيرهم من الآفاق مخالف لظاهر الكلام وتفسير العلماء وقول أصحاب التواريخ بأن الناس بعد الطوفان توالدوا وتناسلوا وانتشروا في الأطراف مغاربها ومشارقها من أهل السفينة دل الكلام على الظالم إذا ظهر ظلمه وأصر عليه ولم ينفعه النصح استحق أن يدعى عليه وعلى أعوانه وأنصاره قيل غرق معهم صبيانهم أيضاً لكن لا عى وجه العقاب لهم بل لتشديد عذاب آيائهم وأمهاتهم باراء إهلاك أطفالهم الذين كانوا أعز عليهم من أنفسهم قال عليه السلام يهلكون مهلكاً واحداً ويصدرون مصادر شتى وعن الحسن إنه
١٨٦
سئل عن ذلك فقال علم الله براءتهم فأهلكهم بغير عذاب وكم من الصبين من يموت بالغرق والحرق وسائر أسباب الهلاك وقيل أعقم الله أرحام نسائهم وايبس أصلاب آبائهم قبل الطوفان بأربعين أو سبعين سنة فلم يكن معهم صبي ولا مجنون حين غرقوا لأن الله تعالى قال وقوم نوح لما كذبوا الرسل رقناهم ولم يوجد التكذيب من الأطفال والمجانين وفي الأسئلة المقحمة ولو أهلك الأطفال بغير ذنب منهم ماذا يضرب في الربوبية أليس الله يقول قل فمن يملك من الله شيئاً إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعاً.
يقول الفقير : الظاهر هلاك الصبيان مع الآباء والأمهات لأن نوحاً عليه السلام ألحقهم بهم حيث قال ولا يلدوا إلا فاجراً كفاراً إذ من سيفجر ويكفر في حكم الفاجر والكافر فلذلك دعا على الكفار مطلقاً عموماً بالهلاك لاستحقاق بعضهم له بالأصالة وبعضهم بالتبعية ودعا للمؤمنين والمؤمنات عموماً وخصوصاً بالنجاة لأن المغفور ناج لا حالة وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما إنه كان إذا قرأ القرآن بالليل فمر بآية بقول لي يا عكرمة ذكرني هذه الآية غداً فقرأ ذات ليلة هذه الآية أي رب اغفر لي الخ.
فقال يا عكرمة ذكرني هذه غداً فذكرتها له فقال أن نوحاً دعا بهلاك الكافرين ودعا للمؤمنين بالمغفرة وقد استجيب دعاؤه على الكافرين فأهلكوا وكذلك أستجيب دعاؤه في المؤمنين فيغفر الله للمؤمنين والمؤمنات بدعائه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١
ورد عن بعض الصحابة رضي الله عنهم إنه قال نجاة المؤمنين بثلاثة أشياء بدعاء نوح وبدعاء إسحاق وبشفاعة محمد عليه السلام يعني المذنبين.
وفي التأويلات النجمية : رب اغفر لي ولوالدي من العقل الكلي والنفس الكلي ولمن دخل بيتي مؤمناً من الروح والقلب وللمؤمنين من القوى الروحانية والمؤمنات من النفوس الداخلة تحت نور الروح والقلب بسبب نور الإيمان ولا تزد الظالمين النفس الكافرة والهوى الظالم الاتبار هلاكاً بالكلمة بالفناء في الروح والقلب وعلى هذا التأويل يكون دعاء لهم لا دعاء عليهم انتهى.
وقال القاشاني : رب اغفر لي أي استرني بنورك بالفناء في التوحيد ولروحي ونفسي اللذين هما أبوا ولمن دخل بيتي أي مقامي في حضرة القدس مؤمناً بالتوحيد لعلمي أولاً رواح الذين آمنوا ونفوسهم فبلغهم إلى مقم الفناء في التوحيد ولا تزد الظالمين الذين نقصوا حظهم بالاحتجاب بظلمة نفوسهم عن عالم النور الاتبار إهلاكاً بالغرق في بحر الهيولي وشدة الاحتجاب انتهى.
فيكون دعاء عليهم كما لا يخفى.
١٨٧
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٧١
تفسير سورة الجن
ثمان وعشرون آية مكية
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٧
﴿قُلْ﴾ يا محمد لقومك ﴿أُوحِىَ إِلَىَّ﴾ أي ألقى على بطريق الوحي وأخبرت بأعلام من الله تعالى والإيحاء أعلام في خفاء وفائدة أباره بهذه الأخباربيان إنه رسول الثقلين والنهي عن الشرك والحث على التوحيد فإن الجن مع تمردهم وعدم مجانستهم إذا آمنوا فكيف لا يؤمن البشر مع سهولة طبعهم ومجانستهم ﴿أَنَّهُ﴾ بالفتح لأنه فاعل أوحى والضمير الشأن أي أن الشأن والحديث ﴿اسْتَمَعَ﴾ أي القرآن أو طه أو اقرأ وقد حذف لدلالة ما بعده عليه والاستماع بالفارسية نيوشدن.