جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
والمستمع من كان قاصداً للسماع مصغياً إليه والسامع من اتفق سماعه من غير قصد إليه فكل مستمع سامع من غير عكس ﴿نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ جماعة منهم ما بين الثثة والعشرة وبالفارسية كروهى كه ازده كمتر وازسه يشتر بودند.
قال في "القاموس" : النفر ما دون العشرة من الرجال كالنفير والجمع انفار وفي المفردات النفر عدة رجال يمكنهم النفر إلى الحرب بالفارسية ببرون شدن.
والجن واحده جنى كروم ورومي ونحوه قال ابن عباس رضي الله عنهما انطلق رسول الله صلى الله عليه وسلّم في طائفة من أصحابه إلى سوق عكاظ فأدركهم وقت صلاة الفجر وهم بنخلة فأخذ هو عليه السلام يصلي بأصحابه صلاة الفجر فمر عليهم نفر من الجن وهم في الصلاة فلما سمعوا القرآن استمعوا له وفيه دليل على أنه عليه السلام لم ير الجن حينئذٍ إذ لو رأهم لما أسند معرفة هذه الواقعة إلى الوحي فإن ما عرف بالمشاهدة لا يستند إثباته إلى الوحي وكذا لم يشعر بحضورهم وباستماعهم ولم يقرأ عليهم وإنما اتفق حضورهم في بعض أوقات قراءته فسمعوها فأخبره الله بذلك وقد مضى ما فيه من التفصيل في سورة الأحقاف فلا نعيده والجن أجسام رقاق فيصورة تخالف صورة الملك والأنس عالة كالأنس خفية عن أبصارهم لاي ظهرون لهم ولا يكلمونهم إلا صاحب معجزة بل يوسومن سائر الناس يغلب عليهم النارية أو الهوائية ويدل على الأول مثل قوله تعالى :[الرحمن : ١٥-١]﴿وَخَلَقَ الْجَآنَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ﴾ فإن المشهور إن امركبات كلها من العناصر فما يغلب فيه النار فناري كالجن وما يغلب فيه الهواء فهو آئي كالطير وما يغلب فيه الماء فمائي كالسمك وما يغلب فيه التراب فترابي كالإنسان وسائر الحيوانات الأرضية وأكثر الفلاسفة ينكرون وجود الجن في الخارج واعترف به جمع عظيم من قدمائهم وكذا جمهور أرباب الملل المصدقين بالأنبياء قال القاشاني : إن في الوجود نفوساً أرضية قوية لا في غلظ التقوس السبعية والبهيمة وكثافتها وقلة إدراكها ولا على هيئات النفوس الإنسانية واستعدادتها ليلزم تعلقها بالإجرام الكثيفة الغالب عليها الأرضية ولا في صفاء النفوس المجردة ولطافتها لتتصل بالعالم العلوي وتتجرد أو تتعلق ببعض الأجرام السماوية متعلقة بإجرام عنصرية لطيفة غلبت عليها الهوائية أو النارية أو الدخانية على اختلاف أحوالها سماها بعض الحكماء الصور المعلقة ولها علوم وإدراكات من جنس علومنا وإدركاتنا ولما كانت قريبة الطبع إلى الملكوت السماوي
١٨٨
أمكنها أن تتلقى من عالمه بعض الغيب فلا يستبعد أن ترتقى أفق السماء فتسترق السمع من كلام الملائكة أي النفوس المجردة ولما كان أرضية ضعيفة بالنسبة إلى القوى السماوية تأثرت تلك القوى فرجمت بتأثيرها عن بلوغ شأوها وإدراك مداها من العلوم ولا ينكر أن تشتعل إجرامها الدخانية بأشعة الكواكب فتحترق وتهلك أو تنزجر عن الارتقاء إلى الأفق السماوي فتتسفل فإنها أمور ليست بخرجة عن الإمكان وقد أخبر عنها أهل الكشف والعيان الصادقون من الأنبياء والأولياء خصوصاً أكملهم نبينا محمد وهي في الوجود الإنساني لاستتارها في غيب الباطن فقالوا} لقومهم عند رجوعهم إليهم
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءَانًَا﴾ أي كتاباً مقروأ على لسان الرسول ﴿عَجَبًا﴾ مصدر بمعنى العجيب وضع موضعه للمبالغة والعجيب ما خرج عن حد أشكاله ونظائره والمعنى بديعاً مبايناً لكلام الناس في حسن النظم ودقة المعنى وقال البقلي كتاباً عجيباً تكربه وفيه إشارة إلى أنهم كانوا من أهل اللسان قال عيزارين حريث كنت عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه فأتاه رجل فقال له كنا في سفر فإذا نحن بحية جريحة تتشحط في دمها أي تضطرب فإن الشحط بالحاء المهملة الاضطراب في الدم فقطع رجل مناقطعة منع مامته فلفها فيها فدفنها فلما أمسينا ونزلنا أتانا امرأتان من أحسن نساء الجن فقالتا أيكم صاحب عمرو أي الحية التي دفنتموها فأشرنا لهما إلى صاحبها فقالتا إنه كان آخر من بقي ممن استمع القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كان بين كافري الجن ومسلميهم قتال فقتل فيهم فإن كنتم أردتم به الدنيا ثوبناكم أي عوضناكم فقلنا لا إنما فعلنا ذلكفقالتا أحسنتم وذهبتا يقال اسم الذي لف الحية صفوان بن معطف المرادي صاحب قصة الإفك والجنى عمرو بن خابر رحمه الله ﴿يَهْدِى إِلَى الرُّشْدِ﴾ إلى الحق والصواب وصلاح الدين والدنيا كما قال عليه السلام اللهم ألهمني رشدي أي الاهتداء إلى مصالح الدين والدنيا فيدخل فيه التوحيد والتنزيه وحقيقة الرشد هو الوصول إلى الله تعالى قال بعضهم الرشد كالقفل خلاف الغي يقال في الأمور الدنيوية والأخروية والرشد كالذهب يقال في الأمور الأخروية فقط ﴿يَهْدِى إِلَى﴾ أي بذلك القرآن ومن ضرورة الإيمان به الإيمان بمن جاء به ولذا قال بعضهم :
داخل اندر دعوت أو جن وأنسى
تاقيامت امتش هر نوع وجنس