أن العالم الغير العامل في حكم الجاهل فإن إبليس كان من أهل العلم فلما لم يعمل بمقتضى علمه جعل سفيهاً جاهلاً لا يجوز التقليد له فالاتباع للجاهل ومن في حكمه اتباع للشيطان والشيطان يدعو إلى النار لأنه خلق منها ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّآ أَن﴾ مخففة من الثقيلة أي إن الشان ﴿لَّن تَقُولَ الانسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ اعتذار منهم عن تقليدهم لسفيهم أي كنا نظن إن الشان والحديث لن يكذب عى الله أحد أبداً ولذلك اتبعنا قوله وصدقناه في أن الله صاحبة وولداً فلما سمعنا القرآن وتبين لنا الحق بسبه علمنا أنهم قد يكذبون عليه تعالى وكذباً مصدر مؤكد لتقول لأنه نوع من القول وأشار بالأنس إلى القوى الروحانية وبالجن إلى القوى الطبيعية وقال القاشاني : أنس الحواس الظاهرة وجن القوى الباطنة فتوهمنا أن البصر يدرك شكله ولونه والأذن تسمع صوته والوهم والخيال يتوهمه ويتخيله حقاً مطابقاً لما هو عليه قبل الاهتداه والتنور بنور الروح فعلمنا من طريق الوحي الوارد على القلب بواسطة روح القدس إن لسنا في شيء من إدراكه فليس له شكل ولا لون ولا صوت ولا هو داخل في الوهم والخيال وليس كلام الله من جنس الكلام المصنوع المتلقف بالفكر والتخيل والمستنتج من القياسات العقلية أو المقدمات الوهمية والتخييلية فليس الله من قبيل المخلوق جنساً أو نوعاً أو صنفاً أو شخصاً فكيف يكون له صاحبة وولد
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿وَأَنَّهُ﴾ أي وإن الشان ﴿كَانَ﴾ في الجاهلية ﴿رِجَالٌ﴾ كائنون ﴿مِّنَ الانسِ﴾ خبر كان قوله ﴿يَعُوذُونَ﴾ العوذ الالتجاء إلى الغير والتعلق به ﴿بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ فيه دلالة إن للجن نساء كالأنس لأن لهم رجالاً ولذا قيل في حقهم إنهم يتوالدون لكنهم ليسوا بمنظرين كإبليس وذريته قال أهل التفسير : كان الرجل من العرب إذا أمسى في واد قفر في بعض مسايره وخاف على نفسه يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه يريد الجن وكبيرهم فيبيت في أمن وجوار حتى يصبح فإذا سمعوا بذلك استكبروا وقالوا سدنا الأنس والجن وذلك قوله تعالى ﴿فَزَادُوهُمْ﴾ عطف على يعوذون والماضي للتحقق أي فزاد الرجال لعائذون الأنسيون الجن ﴿رَهَقًا﴾ مفعول ثان لزاد أي تكبراً وعتوا وسفهاً فإن الرهق محركة يجيب على معان منها السفه وركوب الشر والظلم قال في آكام المرجان وبهذا يجيبون المعزم والراقي بأسمائهم وأسماء ملوكهم فإنه يسم عليهم بأسماء من يعظمونه فيحصل لهم بذلك من الرياسة والشرف على الأنس ما يحملهم على أن يعطوهم بعض سؤلهم وهم يعلمون أن الإنس أشرف منهم وأعظم قدراً فإذا خضعت الأنس لهم واستعاذت بهم كان بمنزلة أكابر الناس إذا خضع لهم أصاغرهم يقضون لهم حاجاتهم أو المعنى فزاد الجن العائذين غياً بأن أضلوهم حتى استعاذوا بهم وإذا استعاذوا بهم فأمنوا ظنوا إن ذلك من الجن فاذدادوا رغبة في طاعة الشياطين وقبول وساوسهم والفاء حينئذٍ لترتيب الأخبار وإسناد الزيادة إلى الإنس والجن باعتبار السببية.
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص١٩١ حتى ص٢٠٠ رقم٢٠
(وروى) عن كردم بن أبي السائب الأنصاري رضي الله عنه إنه قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر النبي عليه السلام، بمكة فأداني المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء الذئب فحمل حملاً من الغنم فقال الراعي يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه يقول يا سرحان أرسله فأتى
١٩١
الحمل يشتد حتى دخل في الغنم ولم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله بمكة وإنه كان رجال الخ قال مقاتل كان أول من نعوذ بالجن قوم من أهل اليمن ثم من حنيفة ثم فشا ذلك في العرب فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال إذا كنت بواد تخاف فيه السبع فقل أعوذ بدانيال وبالجب من شر الأسد انتهى.
أشار بذلك إلى ما رواه البيهقي في الشعب إن دانيال طرح في الجب وألقيت عليه السباع فجعلت السباع تلحسه وتبصبص إليه فأتاه رسول فقال يا دانيال فقال من أنت قال أنا رسول ربك إليك أرسلني إليك بطعام فقال الحمد الذي لا ينسى من ذكره.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨