وروى) ابن أبي الدنيا اربخت نصر ضرى اسدين وألقاهما في جب وجاء بدنيان فألقاه عليهما فلم يضراه وذكر قصته فلما ابتلى دانيال بالسباع جعل الله الاستعاذة به في ذلك تمنع الشر الذي لا يستطاع كما في حاية الحيوان فعلم من ذلك إن الاستعاذة بغير الله مشروعة في الجملة لكن بشرط التوحيد واعتقاد التأثير من الله تعالى قال القاشاني في الآية أي تستند القوى الظاهرة إلى القوى الباطنة وتتقوى بها فزاوهم غشيان المحارم وإتيان المناهي بالدواعي الوهمية والنوارع الشهوية والغضبية والخواطر النفسانية ﴿وَأَنَّهُمْ﴾ أي الإنس ﴿ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ﴾ أيها الجن على أنه كلام مؤمني الجن للكفار حين رجعوا إلى قومهم منذرين فكذبوهم أو الجن ظنوا كما ظننتم أيها الكفرة على إنه كلام الله تعالى ﴿أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ إن هي المخففة والجملة سادة مسد مفعولي ظنوا واعمل الأول على ما هو مذهب الكوفيين لأن ما في كما ظننتم مصدرية فكان الفعل بعدها في تأويل الصمدر والفعل أقوى من المصدر في العمل والظاهر إن المراد بعثة الرسالة أي لن يبعث الله أحداً بالرسالة بعد عيسى أو بعد موسى يقيم به الحجة على الخلق ثم إنه بعث إليهم محمداً عليه السلام خاتم النبيين فآمنوا به فافعلوا أنتم يا معشر الجن مثل ما فعل الأنس وقبل بعد القيامة أي لن يبعث الله أحداً بعد الموت للحساب والجزاء.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
يقول الفقير : فيه إشارة إلى أهل الغفلة من الإنس والجن فإنهم يظنون بالله ظن السوء ويقولون إن الله لاي بعث أحداً من نوم الغفلة بل يبقيه على حاله من الاستغراق في اللذات والانهماك في الشهوات ولا يدرون إن الله تعالى يبعث من في القبور مطلقاً ويحيى أجسادهم وقلوبهم وأرواحهم بالحياة الباقية لأن أهل النوم لانقطاع شعورهم لا يعرفون حال أهل اليقظة وفيه إثبات العجزتعالى والله على كل شيء قدير ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَآءَ﴾ أي طلبنا بلوغ السماء لاستماع ما يقول الملائكة من الحواث أو خبرها للإفشاء بين الكهنة واللمس مستعار من المس للطلب شبه الطلب بالمس واللمس باليد في كون كل واحد منهما وسيلة إلى تعرف حال الشيء فعبر عنه بالمس واللمس قال الراغب اللمس ادراك بظاهر البشرة كالمس ويعبر به عن الطلب قال في "كشف الأسرار" ومنه الحديث الذي ورد إن رجلاً، قال لرسول الله عليه السلام إن امرأتي لا تدع عنها يد لامس أي لا نرديد طالب حاجة صفراً يشكوا تضييعها ماله ﴿فَوَجَدْنَـاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا﴾ أي حراساً وحفظه وهم الملائكة يمنعونهم عنها اسم جمع لحارس بمعنى حافظ كخدم لخادم مفرد اللفظ ولذلك قيل ﴿شَدِيدًا﴾ أي قوياً ولو كان جمعاً
١٩٢
لقيل شداداً وقوله ملئت حرساً حال من مفعول وجدناها إن كان وجدنا بمعنى أصبنا وصادفنا ومفعول ثان إن كان من أفعال القلوب أي فعلمناها مملوءة وحرساً تمييز ﴿وَشُهُبًا﴾ عطف على حرساً وحكمه في الإعراب حمه جمع شهاب وهي الشعلة المقتبسة من نار الكواكب هكذا قالوا وقد مر تحقيقه ﴿وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ﴾ قبل هذا ﴿مِنْهَا﴾ أي من السماء ﴿مَقَـاعِدَ لِلسَّمْعِ﴾ خالية عن الحرس والشهب يحصل منها مقاصدنا من استماع الأخبار للإلقاء إلى الكهنة أو صلحة للترصد والاستماع وللسمع متعلق بتقعد أي على الوجه الأول أي لأجل السمع أو بمضمر هو صفة لمقاعد أي على الثاني أي مقاعد كائنة للسمع وفي كشف الأسرار أي مواضع لاستماع الأخبار من السماء وكان لكل حي من الجنب باب في السماء يستمعون فيه ومن أحاديث البخاري عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم إن الملائكة تنزل في العنان وهو بالفتح السحاب فتذكر الأمر الذي قضى في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوحيه إلى الكهان فيكذبون معه مائة كذبة من عند أنفسهم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨