يقول الفقير : وجه التوفيق بين الاستراق من السماء ومن السحاب إن الملائكة مرة ينزلون في العنان فيتحدثون هناك وأخرى يتذاكرون في السماء ولا منع من عروج الشياطين إلى السماء في مدة قليلة للطافة أجسامهم وحيث كانت نارية أو هوائية أو دخانية لا يتأثرون من النار أو الهواء حين المرور بكرتهما ولو سلم فعروجهم من قبيل الاستدراج ولله في كل شيء حكمة وأسرار ﴿فَمَنْ﴾ شرطية ﴿يَسْتَمِعِ الانَ﴾ في مقعد من المقاعد ويطلب الاستماع والآن أي في هذا الزمان وبعد المبعث وفي اللباب ظرف حالي استعير للاستقبال ﴿يَجِدْ لَهُ﴾ جواب الشرط والضمير لمن أي يجد لنفسه ﴿شِهَابًا رَّصَدًا﴾ الرصد الاستعداد للتقرب أي شهاباً راصداً له ولأجله يصده عن الاستماع بالرجم أو ذوي شهاب راصدين له ليرجموه بما معهم من الشهب على إنه اسم مفرد في معنى الجمع كالحرس فيكون المراد بالشهاب الملائكة بتقدير المضاف ويجوز نصب رصداً على المفعول له وفي الآية إشارة إلى طلب القوي الطبيعية أن تدخل سماء القلب فوجدتها محفوفة بحراس الخواطر الملكية والرحمانية يحرسونها عن طرق الخواطر النفسانية والشيطانية بشهاب نار نور القلب المنور بنور الرب وكان الشهاب والرجم قبل البعثة النبوية لكن كثر بعدها وزاد زيادة بينة حتى تنبه لها الإنس والجن ومنع الاستراق أصلاً لئلا يلتبس على الناس أقوال الرسول المستندة إلى الوحي الإلهي بأقوال الكهنة المأخوذة من الشياطين مما استبرقوا من أقوال أهل السماء ويدل على ما ذكر قوله تعالى :[الجن : ٨-٢٧]﴿فَوَجَدْنَـاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾ فإنه يدل على أن الحادث هو الكمال والكثرة أي زيدت حرساً وشهباً حتى امتلأت بهما وقوله تعالى : وإنا كنا نقعد منها مقاعد أي كنانجد فيهما بعض المقاعد حالية عن الحرس والشهب والآن قد ملئت المقاعد كلها فلما رأى الجن ذلك قالوا ما هذا إلا لأمر أراده الله بأهل الأرض وذلك قولهم وإنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض} بحراسة السماء منا ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ أي خيراً وإصلاحا أوفق لمصالحهم والاستفهام لإظهار العجز عن الإطلاع على الحكمة قال بعضهم : لعل التردد بينهما مخصص
١٩٣
بالاستفهام وأن يكون فعل فعل مضمر مفسر بما بعده بمعنى لا ندري أد شرام خير ورجحوه للموافقة بين المعطوفين في كونهما جملة فعلية والباء في الموضعين متعلقة بما قبلها والجملة الاستفهامية قائمة مقام المفعول ونسبة الخير إلى الله تعالى دون الشر من الآداب الشريفة القرآنية كما في قوله تعالى :[الجن : ١١]﴿وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ ونظائره قال صاحب الانتصاب ومن عقائد الجن إن الهدى والضلال جميعاً من خلق الله تعالى فتأدبوا من نسبة الرشاد إليه وجعلوا الشر مضمر الفاعل فجمعوا بين حسن الاعتقاد والأدب وإنا منا الصالحون}
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨