وفيه إشارة إلى أن المرزوق بالرزق الروحاني والغذاء المعنوي يجب عليه القيام بشكره أيضاً وذلك بوظائف الطاعات وصنوف العبادات وضروب الخدمات ومن يعرض عن ذكر ربه} عن عبادته أو عن موعظته أو وحيه ﴿يَسْلُكْهُ﴾ يدخله ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ أي شاقاً صعباً يتصعد أي يعلوا لمعذب ويغلبه فلا يطيقه على إنه مصدر وصف به للمبالغة يقال سلكت الخيط في الأبرة إذا أدخلته فيها أي يسلكه في عذاب صعد كما قال ما سلككم في سقر أي أدلهم فيها فخذف الجار وأوصل الفعل ثم إن كان إعراضه بعدم التصديق عذابه بالتأبيد وإلا فبقدر جريمته إن لم يغفر له وروى إن صعداً جبل في النار إذا وضع عليه يديه أو رجليه ذابتاً وإذا رفعهما عادتا وقال بعضهم : صعدا جبل أملس في جهنم ويكلف الوليد ابن المغيرة صعوده أربعين
١٩٦
عاماً فيجذب من أعلاه بالسلاسل فإذا انتهى إلى أعلاه انحدر إلى أسفله ثم يكلف ثانياً هكذا يعذب أبداً ﴿وَأَنَّ الْمَسَـاجِدَ﴾ عطف على قوله إنه استمتع أي وأوحى إلى إن المساجد مختصة بالله تعالى وبعبادته خصوصاً المسجد الحرام ولذلك قبل بيت الله فالمراد بالمساجد المواضع التي بنيت للصلاة وذكر الله ويدخل فيها البيوت التي يبينها أهل الملل للعبادة نحو الكنائس والبيع ومساجد المسلمين ثم هذا لا ينافي أن تضاف المساجد وتنسب إلى غيره تعالى بوجه آخر إما لبانيها كمسجد رسول الله أو لمكانها كمسجد بيت المقدس إلى غيره ذلك من الاعتبارات وأعظم المساجد حرمة المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم مسجد بيت القمدس ثم الجوامع ثم مساجد المحال ثم مساجد الشوارع ثم مساجد البيوت ﴿فَلا تَدْعُوا﴾ أي لا تعبدوا فيها الفاء للسببية ﴿مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ أي لا تجعلوا أحداً غير الله شريكاًفي العبادة فإذا كان الإشراك مذموماً فكيف يكون حال تخصيص العبادة بالغير.
(قال الكاشفي) : س مخوانيد دران بخداي تعالى يكى رانانه يهود ونصارى در كنايس وصوامع خود عزير ومسيح رابالوهيت ياد ميكنند ونانكه مشركان در حوالى بيت الحرام ميكويند لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك وكفته اندمراد ازيى مساجد تمام روى زمينست كه مسجد حضرت سيد المرسلين است لقوله عليه السلام جعلت لي الأرض مسجداً وتربتها طهوراً س در هي بقعه باياد خدا ياد ديكرى نيكو نباشد.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨
دلرا بجزا زياد خدا شاد مكن
بايادوى از كسى ديكر ياد مكن
قال بعض العارفين إنما تبرأ تعالى من الشريك لأنه عدم والله وجود فتبرأ من العدم الذي لا يلحقه إذ هو واجب الوجود لذاته والله تعالى مع الخلق ما الخلق مع الله لأنه تعالى يعلمهم وهم لا يعلمون فهو تعالى معهم أينما كانوا في طرفية أمكنتهم وأزمانهم وأحوالهم ما الخلق معه تعالى فإنهم لا يعرفونه حتى يكونوا معه ولو عرفوه م طريق الإيمن كانوا كالأعمى يعلم إنه جليس زيد ولكن لا يراه فهو كأنه يراه بخلاف أهل المشاهدة فإنه ذو بصر إلهي فمن دعاء الله مع الله ما هو كمن دعاء الخلق مع الله هذا معنى فلا تدعوا مع الله أحداً ثم إن السجود وإن كانلا يقع في الحس أبداً إلا لغير الله ءَ لجهة غير الله لأن الله ليس بجهة بل هو بكل شيء محيط فما وقع من عبد سجود إلا لغيرلكن منه ما كان لغير الله عن أمر الله كالسجود لآدم وهو مقبول ومنه ما كان عن غير أمره كالسجود للأصنام وهو مردود وإنما وضعت للساجد للتعظيم كما إنه عينت القبلة للأدب يروى عن كعب إنه قال إني لأجد في التوراة إن الله تعالى يقول إن بيوتي في الأرض المساجد وإن المسلم إذا توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور إن يكرم زائره ومن هنا قالوا إن من دخل المسجد ينوى زيارة الله تعالى قال بعض أهل المعرفة إن مساجد القلوب لزوا رتجلية فلا ينبغي أن يكون فيها ذكر غير الله وقال بعضهم إن مساجد القلوب الصافية عن القاذورت مختصة بالله تعالى وبالتجليات الذاتية والصفاتية
١٩٧
والاسمائية فلا تدعوا مع الله أحاً من الأسماء الجزئية أي طهروا مساجد قلوبكم لتجلي اسم الله الأعظم فيها لا غير وقال ابن عطاء مساجدك أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تخضعها ولا تذللها لغير خالقه وهي الوجه واليدان والركبتان والرجلان والحمة في السجود على هذه الأعظم إن هذه الأعضاء التي عليها مدار الحركة هي المفاصل التي تنفتح وتنطبق في المشي والبطش وأكثر السعي ويحصل بها اجتراح السيئات وارتكاب الشهوات فشرع الله بها السجود للتكفير ومحو الذنب والتطهير ﴿وَأَنَّهُ﴾ من جملة الموحى به أي وأوحى إلى أن الشأن ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ إلى النبي عليه السلام ولذا جعلوا في أسمائه لأنه هو العبد الحقيقي في الحقيقة المضاف إلى اسم الله الأعظم فرقا وإن كان هو المظهر له جمعاً.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon