وفي التأويلات النجمية : واذكر اسم ربك بفناء صفاتك وأفعالك وبتل إليه تبتيلاً بفناء ذاتك وبقاء ذاته ثم إن التبتل يكون من الدنيا إن ظاهراً فقط فهو مذموم كبعض الحفاة العراة الذين أظهروا الفقر في ظواهرهم وأبطنوا الحرص في ضمائرهم وإما باطناً فقط وهو ممدوح كالأغنياء من الأنبياء والأولياء عليهم السلام فلنهم انقطعوا عن الدنيا باطناً إذ ليس فيهم حب الدنيا أصلاً وإنما لم ينقطعوا ظاهراً لأن
٢١١
إرادتهم تابعة لإرادة الله والله تعالى أراد ملكهم ودولتهم كسليمان ويوسف وداود وأيوب والاسكندر وغيرهم عليهم السلا وإما ظاهراً وباطناً كأكثر الأنبياء والأولياء وقد يكون التبتل من الخلق إما ظاهراً فقط كتبتل بعض المتبعدة في قلل الجبال وأجواف المغارات لجذب القلوب وجلب الهدايا وإما باطناً لا ظاهراً كأهل الإرشاد وهم عامة الأنبياء وبعض الأولياء إذ لا بد في إرشاد الخلق من مخالطتهم وإما ظاهراً وباطناً كبعض الأولياء الذين اختار والعزلة وسكنوا في المواضع الخالية عن الناس قال بعضهم السلوك إلى الله تعالى يكون بالتبتل ومعناه الإقبال على الله بملازمة الذكر والإعراض عن غيره بمخالفة الهوى وهذا هو السفر بالحركة المعنوية من جانب المسافر إلى جانب المسافر إليه وإن كان الله أقرب إلى العبد من حبل الوريد فإن مثال الطالب والمطلوب مثال صورة حاضرة مع مراءة لكن لا تتجلى فيها لصدأ في وجهها فمتى صقلتها تجلت فيها الصورة لا بارتحال الصورة إليها ولا بحركتها إلى جانب الصورة ولكن بزوال الحجاب فالحجاب في عين العبد وإلا فالله متجل بنوره غير خفي على أهل البصيرة وإن كان فرق بين تجل وتجل بحسب المحل ولذا قال عليه السلام، إن الله يتجلى للناس عامة ولأبي بكر خاصة فتجلى العامة كتجلي صورة واحدة في مرائي كثيرة في حالة واحدة وتجلى الخاصة كتجلي صورة واحدة في مراءة واحدة وإليه الإشارة بقوله عليه السلام لي مع الله وقت إذ لا يخفى إن التجلي في ذلك الوقت مخصوص به عليه السلام لا يزاحمه غيره فيه.
يقول الفقير : إن في هذا المقام إشكالا وهو إنه عليه ال سلام إذا كان مستغرق الأوقات في الذكر دائم الانقطاع إلى الله على ما أفاده الآيتان فكيف يتأتى له السبح في النهار على ما أفصح عنه قوله تعالى : إن لك في النهار سبحاً طويلاً ولعل جوابه من وجوه الأول إن الأمر بالذكر الدائم والانقطاع الكلي من باب الترقي من الرخصة إلى العزيمة كما يقتضيه شأن إلا كامل والثاني إن السبح في النهار ليس من قبيل الواجب فله إن يختار التوكل على التقلب ويكون مستوعب الأوقات بالذكر والثالث أن الشغل الظاهر لا يقطع الكمل عن مراقبته تعالى كما قال تعالى رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وقال تعالى : الذين هم على صلاتهم دائمون والرابع إن ذلك بحسب اختلاف الأحوال وإلا شخاص فمن مشتغل ومن ذاكر والله أعلم بالمرام رب المشرق والمغرب} مرفوع على المدح أي هور بهما وخالقهما ومالكهما وما بينهما من كل شيء قال في "كشف الأسرار" يريد به جنس المشارق والمغارب في شتاء والصيف ﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ استئناف لبان ربوبيه بنفي الألوهية عما سواه يعني هي معبودي نيست سزاورا عبادت مكر أو ﴿فَاتَّخِذْهُ﴾ لمصالح دينك ودنياك والفاء لترتيب الأمر وموجهب على اختصاص إلا لوهية والربوبية به تعالى ﴿وَكِيلا﴾ موكولاً ومفوضاً إليه لإصلاحها وإتمامها واسترح أنت.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣
وفي التأويلات النجمية : رب مشرق الذات المطلقة عن حجب تعينات الأسماء والصفات ورب مغرب الصفات والأسماء لاستتاره باستتار حجب الصفات وهي حجب الذات وهو المتعين في جميع الموجودات فلا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً أي جرد نفسك عنك وعن
٢١٢
وجودك المجازي واتخذ وجوه الحقيقي مقام وجودك المجازي وامش جانبك هذا مثل ما قال المريد لشيخه أريد أن أحج على التجريد فقال له شيخه جرد نفسك ثم سر حيث شئت قال الامام القشيري رحمه الله إن الله هو المتولى لأحوال عباده يصرفهم على ما يشاء ويختار وإذا تولى أمر عبد بجميل العناية كفاه كل شغل وأناه عن كل غير فلا يستكثر العبد حوائه لعلمه إن مولاه كافيه ولهذا قيل من علامات التوحيد كثرة العيال على بساط التوكل.


الصفحة التالية
Icon