(حكى) عن ممشاد الدينوري رحمه الله إنه قال كان علي دين فاهتممت به في بعض الليالي وضاق صدري فرأيت كأن قائلاً يقول لي أخذت هذا المقدار عليك الأخذ وعلينا العطاء ثم انتبهت ففتح لي ما قضيت به الدين ثم لم أحاسب بعد ذلك قصاباً ولا بقالاً ثم قال القشيري : اعلم أن من جعل المخلوق وكيلاً له فإنه يسأله الأجر وقد يوه في ماله وقد يخطىء في تصرفه أو يخفى عنه الأصوب والأرشد لصاحبه ومن رضي بالله وكيلاً أعطاه الأرض وحقق آماله واثني عليه ولطف به في دقائق أحواله بما لا يهتدي إليه أماله بتفاصيل سؤاله ومن جعل الله وكيلاً لزمه أيضاً إن يكون وكيلاًعلى نفسه في استحقاق حقوقه وفرائضه وكل ما يلزمه فيخاصم نفسه في ذلك ليلاً ونهاراً لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفة قال الزورقي رحمه الله خاصية الاسم الوكيل نفي الحوائج والمصائب فمن خاف ريحاً أو صاعقة أو نحوهما فليكثر منه فإنه يصرف عنه السوء ويفتح له أبواب الخير والرزق ﴿وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ﴾ يعني قريشاً مما لا خير فيه من الخرافات والهذيانات في حق الله من الشريك والصاحبة والولد وف حقك من الساحر والشاعر والكاهن والمجنون وفي حق القرآن من إنه أساطير الأولين ونحو ذلك ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا﴾ تأكيد للأمر بالصبراي واتركهم تركاً حسناً بأن تجانبهم بقلبك وهواك وتداريهم ولا تكافئهم وتكل أمورهم إلى ربهم كما أعرب عنه ما بعد الآية قال الراغب الهجر والهجران مفارقة الإنسان غيره أما بالبدن أو باللسان أو بالقلب وقوله تعالى :﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلا﴾ يحتمل للثلاثة ويدعو إلى تحريها ما أمكن مع تحري المجاملة قال الحكماء تسلح على الأعداء بحسن المداراة حتى تبصر فرصة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣
آسايش دوكيتي تفسير اين دو حرفست
با دوستان تلطف بادشمنان مدارا
وذرني والمكذبين} أي دعني وإياهم وكل أمرهم إلى فإني أكفيكهم وقد سبق في ن والقلم وقال بعضهم يجوز نصب المكذبين على المعية أي دعني معهم وهو الظاهر ويجوز على العطف أي دعني على أمري مما تقتضيه الحكمة ودع المكذبين بك وبالقرآن وهو أوفق للصناعة لأن النصب إنما يكون نصاً في الدلالة على المصاحبة إذا كان الفعل لازما وهنا الفعل متعد ﴿أُوالِى النَّعْمَةِ﴾ أرباب التنعم وبالفارسية خدا وندان نازوتن آساني.
صفة للمكذبين وهم صناديد قريش وكانوا أهل ترفه وتنعم لا سيما بني المغيرة والنعمة بفتح النون لتنعم وبكسرها الأنعام وما أنعم به عليك وبالضم السرور والتنعم استعمال ما فيه النعومة واللين من المأكولات والملبوسات وفي تاج المصادر التنعم
٢١٣
بناز زيستن.
وفيه إشارة إلى أن متعلق الذم ليس نفس النعمة والرزق بل التنعم بهما كان قال عليه السلام، لمعاذ رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن والياً إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين وفيه تسلية للفقراء فإنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام ﴿وَمَهِّلْهُمْ﴾ التمهيل زمان دادن.
والمهل التؤدة والسكون يقال مهل في فعله وعمل في مهلة ﴿قَلِيلا﴾ أي زماناً قليلاً وأجلهم أجلاً يسيراً ولا تعجل فإن الله سيعذبهم في الآخرة إذ عمر الدنيا قليل وكل آت قريب ويدل على هذا المعنى ما بعد الآية من بيان عذاب الآخرة وقال الطبري كان بين نزول هذه الآية ووقعة بدر زمان يسير ولذا قيل إنها مدنية ﴿الْحَيَواةَ الدُّنْيَا﴾ في الآخرة وفيما هيأناه للعصاة من آلات العذاب وأسبابه وهو أولى من قول بعضهم في علمنا وتقديرنا لأن المقام مقام تهديد العصاة فوجود آلات العذاب بالفعل اشد تأثيراً على أن تلك الآلات صور الأعمال القبيحة ولا شك إن معاصري النبي عليه السلام من الكفار قد قدموا تلك الآلات بما فعلوا من السيئات ﴿أَنكَالا﴾ قيوداً ثقالاً يقيد بها أرجل المجرمين إهانة لهم وتعذيباً لا خوفاف من فرارهم جمع نكل بالكسر وهو القيد الثقيل والجملة تعليل للأمر من حيث إن تعداد ما عنده من أسباب التعذيب الشديد في حكم بيان اقتداره على الانتقام منهم فهم يتنعمون في الدنيا ولا يبالون وعند الله العزيز المنتقم في الآخرة أمور مضادة لتنعمهم ﴿وَجَحِيمًا﴾ وبالفارسية وآتشى عظيم.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٠٣