ولم يستأنس به بعد فظن به مسامن الجن فخاف على نفسه لذلك وذكر حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر أن التدثر إنما يكون من البرودة التي تحصل عقيب الوحي وذلك إن الملك إذا ورد على النبي عليه السلام بعلم أو حكم يلقى ذلك الروح الإنسان وعند ذلك تشتعل الحرارة الغريزية فيتغير الوجه وتنقل الروطوبات إلى سطح البدن لاستيلاء الحرارة فيكون من ذلك العرق فإذا سرى عنه ذلك سكن المزاج وانقشعت تلك الحرارة ونفتحت تلك المسام وقبل الجسم الهواء من خارج فيتخلل اجسم فيبرد المزاج فتأخذه القشعريرة فتزاد عليه الثياب ليسخن انتهى.
وقرر بعضهم هذا المقام على غير ما ذكرك ما قال في كشف الأسرار وتفسير الكاشفي جابر بن عبد الله رضي الله عنه نقل مكيند از رسول الله درزمان فترت وحي برهى ميرفتم ناكاه از آسمان آوازي شنيدم شم بالاكردم ديدم همان ملك كه درغار حرا بمن آمده بود بركرسى نسته ميان زمين وآسمان ازسطوت وهيأت وعظمت وهيكل أو خوفي برمن طاري شدبخانه بازكشتم وكفتم مرا بوشانيد جامها برمن وشيدند ومن در انديشه آن حال بودم كه حضرت عزت جل شائه وحي فرستادكه يا أيها المدثر.
وقال السهيل رحمه الله كان عليه السلام متدثراً بثيابه حين فزع من هول الوحي أول نزوله قال دثروني دثروني فقال له ربه يا أيها المدثر ولم يقل يا محمد ولا يا فلان ليستشعر اللين والملاطفة من ربه كما تقدم في المزمل وفائدة أخرى مشاكلة الآية بما بعدها ووجه المشاكلة بين أول الكلام وبين قوله قم فأنذر خفي إلا بعد التأمل والمرعفة بقوله عليه السلام : إني أنا النذير العريان ومعنى النذير العريان الجاد المشمر وكان النذير من العرب إذا اجتهد جرد ثوبه وأشار به مع الصياح تأكيداً في الإنذار والتحذير وقد قيل أيضاً إن أصل قولهم النذير العريان إن رجلاً من خثعم وهو كجعفر جبل وأهل خثعميون وابن إنما رابو قبيلة من معد كما في القاموس أخذه العدو فقطعوا يده وجردوا ثيابه فأفلت إلى قومه نذيراً لهم وهو عريان فقيل لكل مجتهد في الإنذار والتويف النذير العريان فء٥ا ثبت هذا فقد تشاكل الكلام بعضه ببعض فأمر المتدثر بالثياب مضاف إلى معنى النذير العريان ومقابل ومرتبط به لفظاً ومعنى قم} أي من مضجعك يعني خوابكاه ﴿فَأَنذِرْ﴾ الناس جميعاً من عذاب الله إن لم يؤمنوا لأنه عليه السلام مرسل إلى الناس كافة فلم تكن ملة من الملل إلا وقد بلغتها دعوته وقرعها انداره وافرد الإنذار بالذكر مع إنه أرسل بشيراً أيضاً لأن التخلية بالمعجمة قبل التحلية بالمهملة وكان الناس عاصين مستحقين للتخويف فكان أول الأمر هو الإنذار.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
يقول الفقير أمده الله القدير بالفيض الكثير خوطبت بقوله ﴿قُمْ فَأَنذِرْ﴾ وأنا متوجه مراقب عند الرأس الشريف في الحرم النبوي فحصل لي اضطراب عظيم وحيرة كبرى من سطوة الخطاب الإلهي وغلبني الارتعاد وظننت إني مأمور بالإنذار الظاهري في ذلك القمام لما أن أكثر الناس كانوا يسيئون الأدب في ذلك الحرم حتى إن بكيت مرة بكاء شديداً من غلبة الغيرة فقبل لي أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصرهم ثم إني عرفت بإلهام من الله تعالى إني رسول نفسي لا غير مأمور بتزكيتها وإصلاح قواها ومن الله الإعانة على ذلك
٢٢٤
﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ وخصص ربك بالتكبير وهو صوفه تعالى بالكبرياء اعتقاداً وقولاً وعظمة عما يقول فيه عبدة الأثوان وسائر الظالمين ويروى إنه لما نزل قال رسول الله عليه السلام الله أكبر فكبرت خديجة أيضاً وفرحت وأيقنت إنه الوحي لأن الشيطن لاي أمر بالتكبير ونحوه ودخل فيه تبكير الصلاة وإن لم يكن في أوائل لنبوة صلاة وذلك لأن الصلاة عبارة عن أوضاع وهيئات كلها تعطي التقييد والله منزه عن جميع التعينات فلزم التكبير فيها لأن وجه الله يحاذى وجه العبد حينئذٍ على ما ورد في الخبر الصيح والفاء لمعنى الشرط كأنه قيل ما كان أي أي شيء حدث فلا تدع تكبيره ووصفه بالكبرياء أو للدلالة على أن المقصود الأول من الأمر بالقيام أن يبكر رب وينزهه عن الشكر فإن أول ما يجب معرفة الصانع ثم تنزيهه عما لا يليق بجنابه فالفاء على هذا تعقيبيه لا جزائية.


الصفحة التالية
Icon