والرجز فاهجر} قرأ عاصم في رواية حفص الرجز بالضم والباقون بكسر الراء ومعناهم واحد وهو الأوثان وقد سبق معنى الهجر في المزمل أي ارفض عبادة الأوثان ولا تقربها كما قال إبراهيم عليه السلام واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ويقال الرجز العذاب أي واهجر العذاب بالثبات على هجر ما يؤدي إليه من الماآثم سمى ما يؤدي إلى العذاب رجزاً على تسمية المسبب باسم سببه والمراد الدوام على الهجر لأنه كان بريئاً من عبادة الأوثان ونحوها ﴿وَلا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ﴾ برفع تستكثر لأنه مستقبل في معنى الحال أي ولا تعط مستكثراً أي رائياً لما تعطيه كثيراً أو طالباً للكثير على إنه نهى عن الاستغرار وهو أن يهب شيئاً وهو يطمع أن يتعوض من الموهوب له أكثر مما أعطاه وهو جائز ومنه الحديث المستغزر يثاب من هبته أي يعوض منها والغزارة بالغين المعجمة وتقديم ازاي الكثرة فهو إما للتحريم وهو خاص برسول الله صلى الله عليه وسلّم لعلو منصبه في الأخلاق الحسنة ومن ذلك حلت الزكاة لفقرا أمته ولم تحل له ولأهله لشرفه أو للتنزيه للكل أي له ولأمته وقال بعضهم هو من لمنة لأن من يمن بما يعطي يستكثره ويعتد به والمنة تهدم الصنيعة خصوصاً إذا من بعمله على الله بأن يعده كثيراً فإن العمل من الله منة عليه كما قال تعالى :[المدثر : ٧]﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ ومن شكر طول عمره بالعبادة لم يقض شكر نعمة الإيجاد فضلاً عما لا يحصى من أنواع الجود ولربك فاصبر} أي فاصبر لحكم ربك ولا تتألم من أذية المشركين فإن المأمور بالتبليغ لا يخلو عن أذى الناس ولكن بالصبر يستحيل المر حلواً وبالتمر يحصل الذوق.
تحمل و زهرت نما يدنخست
ولي شهد كردد ودر طبع رست
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
وقال بعض أهل المعرفة أي جرد صبرك عن ملاحظة الغير في جميع المراتب في الصبر عن المعصية والصبر على الله والصبر في لبلاء كما قال تعالى :[المدثر : ٨]﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللَّهِ﴾.
وقال القاشاني : يا أيها المدثر
٢٢٦
أي المتلبس بدثار البدن المنجب بصورته قم عما ركنت إليه وتلبست به من أشغال الطبيعة وانتبه من رقدة الغفلة فأنذر نفسك وقواك وجميع من عداك عذاب يوم عظيم وإن كنت تكبر شيئاً وتعظم قدره فخصص ربك بالتعظيم والتكبير لا يعظم في عينك غيره وليصغر في قلبك كل ما سواه بمشاهدة كبريائه وظاهرك فطهره أولاً قبل تطهير باطنك عن مدانس الأخلاق وقبائح الأفعال ومذام العادات ورجز الهيولي المؤدي إلى العذاب، فاهجر أي جرد باطنك عن اللواحق المادية والهيئات الجسمانية الفاسقة والغواشي الظلمانية والهيولانية ولا تعط المال عند تجردك عنه مستغزراً طالباً للأعواض والثواب الكثير به فإن ذلك احتجاب بالنعمة عن المنعم وقصور همة بل خالصاً لوجه الله أفعل ما تفعل صابراً على الفضيلة له لا لشيء آخر غيره فإذا نقر في الناقور} الناقور بمعنى ما ينقر فيه والمراد الصور وهو القرن الذي ينفخ فيه إسرافيل مرة للإصعاق وأخرى للإحياء فاعول من النقر بمعنى التصويت وأصله القرع الذي هو سبب الصوت يعني جعل الشءي بحيث يظهر منه الصوت بنوع قرع وامراد هنا النفخ إذ هو نوع ضرب للهواء الخارج من الحلقوم أي فإذا نفخ في الصور والفاء للسببية أي سبية ما بعدها لما قبلها دون العكس فهي بمعنى اللام السببية كأنه قيل اصبر على أذاهم فبين أيديهم يوم هائل يلقون فيه عاقبة إذا هم وتلقى عاقبة صبرك عليه والعامل في إذا ما دل عليه قوله تعالى ﴿فَذَالِكَ يَوْمَـاـاِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ * عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ فإن معناه عسر الأمر على الكافرين من جهة العذاب وسوء الحساب وذلك إشارة إلى وقت النقر وهو مبتدأ ويومئذٍ بدل منه مبني على الفتح لإضافة إلى غير متمكن وهو إذ والتقدير إذ نقر فيه والخبر يوم عسير وعلى متعلقة بعسير دل عليه قوله تعالى :[المدثر : ١٠]﴿وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَـافِرِينَ عَسِيرًا﴾ كأنه قيل فيوم النقر يوم عسير عليهم غير يسير} خبر بعد خبر وتأكيد لعسره عليهم لقطع احتمال يسره بوجه دون وجه مشعر تيسره على المؤمنين ثم المراد به يوم النفخة الثانية التي يحيى الناس عندها إذ هي التي يخص عسرها بالكافرين جميعاً وإما النفخة الأولى فهي مختصة بمن كان حياً عند وقوعها وقد جاء في الأخبار إن في الصور ثقبً بعدد الأرواح كلها وإنها تجمع في تلك الثقب في النفخة الثانية فيخرج عند النفخ من كل ثقبة روح إلى الجسد الذي نزع منه فيعود الجسدح ياً بإذن الله تعالى وفي الحديث كيف أنعم وصاحب القرن قد لتقم قرنه ينظر متى يؤمر أن ينفخ فيه فقيل له كيف نصنع قال قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
وقال القاشاني ينقر في البدن المبعوث فينقش فيه الهيئات السيئة المردية الموجبة للعذاب أو الحسنة المنجية الموجبة للثواب ولا يخفى عسر ذلك اليوم على المحجوبين على أحد وإن خفي يسرة على غيرهم إلا على المحققين من أهل الكشف والعيان