تزعمون إنه مجنون فهل رأيتموه يخنق لأن العرب كانت تعتقد أن الشيطان ويخنق المجنون ويتخبطه وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن وتزعمون إنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط وتزعمون إنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذاب فقالوا في كل ذلك اللهم لا ثم قالوا فما هو وما تقول في حقه ففكر فقال ما هو الاسا حر أمار أيتموه يفرق بين الرجل وأهله وولد ومواليه وما الذي يقوله إلا سحر يأثره عن أهل بابل فارتج النادي فرحاً وتفرقوا معجبين بقوله متعجبين منه راضين به ﴿ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ﴾ تكرير للتعجب للمبالغة في التشنيع وثم للدلالة على أن النكرة الثانية في التعجيب أبلغ من الأولى أي للتراخي بحسب الرتبة وإن اللائق في شأنه ليس إلا هذا القول دعاء عليه وفيما بعد على أصلها من الترخي الزماني ﴿ثُمَّ نَظَرَ﴾ أي في القرآن مرة بعد مرة وتأمل فيه ﴿ثُمَّ عَبَسَ﴾ فقلت وجه يعني روى فاهم كشيد وترش كرفت.
لا لم يجد فيه مطعناً ولم يدر ماذا يقول ﴿وَبَسَرَ﴾ اتباع لعبس قال سعدي المفتي لكن عطف الاتباع على المتبوع غير معروف والظاهر أن كلا منهما له معنى مغاير لمعنى الآخر فعبس بمعنى قطب وجهه وبسر بمعنى قبض مابين عينيه من السوء وأسود وجهه منه ذكره الحلبي والعدة عليه وقال الراغب البسر الاستعجال بالشءي قبل أوانه نحو ابسر الرجل حاجته طلبها في غير أوانها وقوله ثم عبس وبسر اي أظهر العبوس قبل أوانه نحو أبسر ارجل حاجته طلبها في غير أوانها وقوله ثم عبس وبسر أي أظهر العبوس قبل أوانه وفي غير وقته انتهى.
﴿ثُمَّ أَدْبَرَ﴾ عن الحق ﴿وَاسْتَكْبَرَ﴾ عن أتباعه ﴿فَقَالَ﴾ عقيب توليه عن الحق ﴿أَنْ﴾ نافية بمعنى ما لذا أورد إلا بعدها ﴿هَـاذَآ﴾ الذي يقوله محمد عليه السلام، أي القرآن
٢٣٠
﴿إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ أي يروى ويتعلم من الغير وليس هو من سحره بنفسه يقال أثرت الحديث آثهر أثراً إذا حدثت به عن قوم في آثارهم أي عد ما ماتوا هذا هو الأصل ثم كان بمعنى الرواية عمن كان وحديث مأثور أي منقول ينقله خلف عن سلف وأدعية مأثورة أي مروية عن الأكابر وفي تعلم لسحر لحكمة رخصة واعتقاد حقيته والعمل به كفر كما قيل :(عرفت الشر لا للشر لكني لتوقيه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
ومن لم يعرف الشر من الناس يقع فيه) وقد سبق معناه وما يتعلق به في مواضعه ﴿إِنْ هَـاذَآ﴾ ما هذا ﴿إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ﴾ تأكيد لما قبله ولذا أخرى عن العاطف قاله تمرداً وعناداً لا على سبيل الاعتقاد لما روى قبل إنه أقر بأن القرآن ليس من كلام الأنس والجن وأراد بالبشر يساراً وجبراً وأبا فكيهة أما الأولان فكانا عبدين من بلاد فارس وكانا بمكة وكان النبي عليه السلام يجلس عندهما وأما أبو فكيهة فكان غلاماً رومياً يتردد إلى مكة من طرف مسيلمة الكذاب في اليمامة ﴿سَأُصْلِيهِ سَقَرَ﴾ أي أدخله جهنم لما قال في الصحاح سقر اسم من أسماء النار وقال ابن عباس رضي الله عنهما اسم للطبقة السادسة من جهنم يقال سقرته الشمس إذا آذته وآلمته وسميت سقر لا يلامها قوله سأصليه سقر بدل من سأرهقه صعود أبدل الاشتمال سواء جعل مثلاً لما يلقى من الشدائد أو اسم جبل من نار لأن سقر تشتمل على كل منهما ﴿وَمَآ أَدْرَاـاكَ مَا سَقَرُ﴾ ما الأولى مبتدأ وإدراك خبره وما الثانية خبر لقوله سقر لأنها المفيدة لما قصد إفدته من التهويل والتفظيع دون العكس كما سبق في الحاقة والمعنى أي شيء أعلمك ما سقر في وصفها يعني إنه خارج عن دائرة إدراك العقول ففيه تعظيم لشأنه ﴿لا تُبْقِى وَلا تَذَرُ﴾ بيان لوصفها وحالها وانجاز للوعد الضمني الذي يلوح به وما أدراك ما سقرأى لا تبقى شيئاً يلقى فيها إلا أهلكته بالإحراق وإذا هلك لم تذره هالكاً حتى يعاد خلقاً جديداً وتهلكه أهلاكاً ثانياً وهكذا كما قال تعالى :﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُم بَدَّلْنَـاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا﴾ أو لا تبقى على شيء أي لا تترحم عليه ولا تدعه من الهلاك بل كل ما يطرح فيها هالك لا محالة لأنها خلقت من غضب الجبار قال في تهذيب المصادر الإبقاء باقي كردن ونيز شفقت بردن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣


الصفحة التالية
Icon