وقيل : لا تبقى حياً ولا نذر ميتاً كقوله تعالى : ثم لا يموت فيها ولا يحيى لواحة للبشر} يقال لاحت النار الشيء إذا أحرقته وسودته ولاحه السفر أو العطش أي غيره وذلك أن الشيء إذا كان فيه دسومة فإذا أحرق أسود والبشر جمع بشرة وهي ظاهر جلد أي إنسان أي مغيرة لأعلى الجلد وظواهره مسودة لها قيل تلفح الجلد لفسحة فتدعه أشد سوداً من الليل فإن قلت لا يمكن وصفها بتسويد البشرة مع قوله لا تبقى ولا تذر قلت لسي في الآية دلالة على إنها تفنى بالكلية مع إنه يجوز أن يكون الإفناء بعد التسويد ويل لائحة للناس على أن لواحة اسم فاعل من لاح يلوح أي ظهر وأن البشر بمعنى الناس قيل إنها تلوح للبشر من مسيرة خمسمائة عام فهو كقوله تعالى :[المدثر : ٣٠]﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَى﴾ فيصل إلى الكافر سمومها وحرورها كما يصل إلى المؤمن ريح الجنة ونسيمها من مسيرة خمسمائة عام عليها} أي على سقر ﴿تِسْعَةَ عَشَرَ﴾ أي مكاً يتولون أمرها ويتسلطون على أهلها وهم مالك وثمانية عشر معه أعينهم كالبرق
٢٣١
الخاطف وأنيابهم كالصياصي وإشعارهم تمس أقدامهم بخرج لهب النار من أفواههم ما بين منكبي أحدهم مسيرة سينة نزعت منهم الرأفة والرحمة يأخذ أحدهم سبعين ألفاً في كفه ويرميهم حيث أراد من جهنم قيل هذه التسعة عشر عد الرؤساء والنقباء وآما جملة أشخاصهم فكما قال تعالى وما يلعم جنود ربك إلا هو فيجو أن يكون لكل واحد منهم أعوان لا تعد ولا تحصى ذكر أرباب المعاني والمعرفة في تقدير هذا العدد وتخصيصه وجوهاً (منها أن سبب فساد النفس الإنسانية في قوتها النظرية والعملية هو القوى الحيوانية والطبيعية فالقوى الحيوانية هي الخمس الظاهرة والخمس الباطنة والشهوة والغضب ومجموعها اثنتا عشرة وإما القوى الطبيعية فهي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة والغاذية والنامية والمولدة فالمجموع تسع عشر قال ابن الشيخ والمراد بالقوى الحيونية القوى التي تختص بالحيوان من بين المواليد الثلاثة الحيوان والنبات ولمعدن وهي قسمان مدركة وفاعلة فالماركة أي ما لها مدخل في الإدراك بالمشاهدة والحفظ عشر وهي الحواس لخمس الظاهرة والخمس الباطنة والفاعلة أي ما لها مدخل في الفعل إما باعثة أو محركة وهما اثنتان الشهوة والغصب والقوى الطبيعية هي القوى التي لا تختص بالحيوان بل توجد في النبات أيضاً وهي سبع ثلاث منها مخدومة وهي الغاذية والنامية والمولدة وأربع منها خوادم وهي الجاذبة والهاضمة والماسكة والدافعة فلما كان منشأ الآفات هو هذه القوى لتسع عشرة كان عدد الزبانية هكذا قال سعدي امفتي وأنت خبير بأن إثبت هذه القوى بناؤه على الأصول الفلسفية ونقى الفاعل المختار فيصان تفسير كلام الله عن أمثاله أي وإن ذكرها الامام في التفسير الكبير وتبعه من بعده وقال أيضاً والحق أن يحال علمه إلى الله تعالى فالعقول البشرية قاصرة عن إدراك أمثاله انتهى ويرده ما قال الامام السهيلي في الأمالي أن النكتة التي من أجلها كانوا تسعة عشر عدداً ولم يكونوا أكثر وأقل فلعمري إن في الكتاب والسنة لدليلاً عليها وإشارة إليها ولكنها كالسر المكنون والناس أسرع شيء إلى إنكار ما لم يألفوه وتزييف ما لم يعرفوه ولا يؤمن في شنرها وذكرها سوء التأويل لقصور أكثر الإفهام عن الوعي والتحصيل مع قلة الإنصاف في هذا الجبل انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٢٣
ومنها أن أبواب جهنم سبعة سنة) منها للكفار وواحد للفساق ثم إن الكفار يدخلون النار لأمور ثلاثة ترك الاتقاد وترك الإقرار وترك العمل فيكون لكل باب من تلك الأباب الستة ثلاثة فالمجموع ثمانية عشر وإما باب الفساق فليس هناك إلا ترك العمل فالمجموع تسعة عشر.
(ومنها إن الساعات أربع وعشرون خمس) منها مشغولة بالصلوات الخمس فيبقى منها تسع عشرة مشغولة بغير العبادة مصروفة إلى ما يؤاخذ به بأنواع العذاب يعني إنه لم يخلق في مقابلة الخمس التي جعلت مواقيت الصلاة زبانية تكريماً لها فلا يلزم الاختصاص بالمصلين من عصاة المؤمنين كما في حواشي سعدى المفتي فلا جرم صار عد الزبانية تسعة عشر ومنها إنه تعالى حفظ جهم بما حفظ به الأرض من الجبال وهي مائة وتسعون أصلها تسعة.
(ومنها إن المدبرت للعالم النجوم السيارة وهي سبعة والبروج الاثنا عشر الموكلة بتدبير العالم السفلى المؤثرة فيه تقمعهم بسياط التأثير وترديهم في مهاويها) ومنها ما قال السجاوندي في عين
٢٣٢
المعاني قد تكلموا في حكمة العدد على أنه لا تطلب للأعداد العلل فإن التسعة أكثر الآحاد والعشرة أقل العشرات فقد جمع بين أكثر القليل وأقل الكثير يعني إن التسعة شعر عدد جامع بينهما فلهذا كانت الزبانية على هذا العدد.


الصفحة التالية
Icon