وروى) إنه عليه السلام نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال إنكم سترون ربكم كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته وهو بفتح التاء وتشديد الميم من الضم، أصله لا تتضامون، أي لا ينضم بعضكم إلى بعض ولا يقول أرنيه بل كل ينفرد برؤيه وروى بتخفيف الميم من الضيم وهو الظلم فتكون التاء حينئذٍ مضمومة يعني لا ينالكم ظلم بأن يرى بعضكم دون بعض بل تستوون كلكم في رؤيته تعالى وهذا حديث مشهور تلقه الأمة بالقبول ومعنى التشبيه فيه تشبيه الرؤية بالرؤية في الوضوح لا تشبيه المرئي بالمرئي فثبت أن المؤمنين يرونه بغير كيف ولا كم وضرب من مثال فينسون النعيم إذ رأوه فيا خسران أهل الاعتزال وسئل مالك بن أنس رضي الله عنهما عن قوله تعالى :﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾ وقيل له إن قوماً يقولون إلى ثوابه فقال مالك كذبوا فأين هم عن قوله تعالى : كلا إنهم عن ربهم يومئذٍ لمحجوبون ثم قال الناس ينظرون إلى الله بأعينهم ولو لم ير المؤنمون ربهم يوم القيامة لم يعذب الله الكفار بالحجاب وقال صاحب العقد الفريد ومن اعتقد غير هذا فهو مبتدع زنديق وقد يشهد للمطلوب ويرد دعوى أهل البدعة أن الرؤية هي اللذة الكبرى فكيف يكون المؤمنون محرومين منها والدار دار اللذة فينبغي للمؤمن أن تكون همته من نعم الجنة نعمة اللقاء فإن غيرها نعم بهيمية مشتركة قال بعض العارفين : دلت الآية على أن القوم ينظرون إلى الله تعاى في حال السحو والبسط لأن النضرة من أمارات البسط فلا يتداخلهم حياء ولا دهشة وإلا لتنغص عيشهم بل لوعاً ينوه بوصف الجلال الصرف لهلكوا في أول سطوة من سطواته فهم يرونه في حال الإنس بنوره بل به يرونه وهنالك وجود العارف كله عين يرى حبيبه بجميع وجوده وتلك العيون مستفادة من تجلى الحق فقوم لهم بالنظر من نفسه إلى نفسه ويظهر سر الوحدة بين العاشق والمعشوق والرؤية تقتضي بقاء الرائي وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد في وجود الحق أتم كما هو مقتضى بقاء الرائي وهو من مقتضيات عالم الصفات واستهلاك العبد في وجود الحق أتم كما هو مقتضى عالم الذات قال النصر أبادي قدس سره من الناس ناس طلبوا الرؤية واشتاقوا إليه تعالى ومنهم العارفون الذين اكتفوا برؤية الله لهم فقالوا رؤيتنا ونظرنا فيه علل ورؤيه ونظره بلا علة فهو أتم بركة واشتمل نفعاً وقال بعضهم : القرب المذكور في قوله تعالى : ونحن
٢٥٢
أقرب إليه من حبل الوليد هو الذي منع الخلق عن الإدراك للحق كما إن الهواء لما كان مباشر الحاسة البصر لم يدركه البصر وكذلك الما إذ غاص الغائص فيه وفتح عينيه يمنعه قربه من حاسة بصره أن يراه والحق أقرب إلى الإنسان من نفسه فكان لاي رى لقربه كما إنه تعالى لا يرى لبعده وعلو ذاته اين التراب من رب الأرباب ولكن إذا أراد العبد أن يراه تنزل من علوه ورفع عبده إلى رؤيته فآه به ولذلك قال عليه السلام : إنكم سترون ربكم كما ترون الشمس والقمر وهما في شأنهما متوسطان في القرب والبعد فاية القرب حجاب كما أن غاية البعد حجاب والكل يراه في الدنيا لا يعرف إنه هو وفرق بين العارفو غيره ألا ترى إنه ذا كان في قلبك لقاء شخص وأنت لا تعرفه بعينه فلقيك وسلم عليك وأنت لم تعرفه فقد رأيته وما رأيته كالسلطان إذا دار في بلده متنكراً فإنه يراه كثير من الناس ولا يعرفه ثم إن منهم من يقول لم يتيسر لي رؤية السلطان إلى الآن وأنا أريد أن أنظر إليه مع إنه نظر إليه مراراً فهو في حال بصره أعمى فما أشد حجابه ثم إنه لو اتفق له النظر إليه فربما لا يتعمق ففرق بين ناظر وناظر بحسب حدة بصره وضعفه ولذا قالوا إنما تفاوتت الأفراد في حضرة لشهود مع كونهم على بساط الحق الذي لا نقص فيه لأنهم إنما يشهدون في حقائقهم ولو شهدوا عين الذات لتساووا في الفضيلة وقال بعض العارفين اللخق أقرب جار للحق تعالى وذلك من أعظم البشرى فإن للجار حقاً مشروعاً معروفاً يعرفه العلماء بالله فينبغي لكل مسلم أن يحضر هذا الجوار الإلهي عند الموت حين يطلب من الحق ما يستحقه الجار على جاره من حيث ما شرع قال تعالى لنبيه عليه السلام قل رب حكم بالحق أي الحق الذي شرعته لنا تعاملنا به حتى لا ننكر شيئا منه مما يقتضيه لكرم الإلهي فهو دعاء افتقار وخضوع وذل.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤٣