الرقي وفعله من باب علم وقوله ملائكة الرحمة لا يمانعه قوله فلا صدق ولا صلى الآيات لأن الضمير فيه لجنس الإنسان فلا يتعين كون المحتضر من أهل النار قال الكلبي يحضر العبد عند الموت سبعة أملاك من ملائكة الرحمة وسبعة من ملائكة العذاب مع ملك الموت فإذا بلغت نفس العبد التراقي نظر بعضهم إلى بعض أيهم يرقى بروحه إلى السماء فهو قوله من راق وقال ابن عباس رضي الله عنهما إن الملائكة يكرهون القرب من الكافر فيقول ملك الموت من يرقى بروح هذا الكافر ﴿وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ﴾ وأيقن المحتضر حين عاين ملائكة الموت ما نزل به هو الفراق من الدنيا المحبوبة ونعيمها التي ضيع العمر النفيس في كسب متاعها الخسيس وعبر عما حصل له من المعرفة حيئنذٍ بالظن لأن الإنسان ما دامت روحه متعلقة ببدنه فإنه يطمع في الحياة لشدة حبه لهذه الحياة العاجلة ولا ينقطع رجاؤه عنها فلا يحصل له يقين الموت بل ظنه الغالب على رجاء الحياة قال الامام هذه الآية تدل على أن الروح جوهر قائم بنفسه باق بعد موت المعدن وإن الله تعالى سمى الموت فراقاً والفراق إنما يكون إذا كانت الروح باقية فإن الفراق والوصال صفة وهي تستدعى وجود الموصوف قال المزني دخلت على الشافعي في مرة موته فقلت كيف أصبحت قال أصبحت من الدنيا رحلاً وللإخوان مفارقاً ولسوء عمى ملاقياً ولكأس المنية شارباً وعلى الله وارداً فلا أدرى أروحي تصير إلى الجنة فأهنيها أم إلى النار فأعزيها ثم أنشأ يقول :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤٣
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
جعلت رجائي نحو عفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
بعفوك ربي كان عفوك اعظما
وقال بعضهم :
فراق ليس يشبهه فراق
قد انقطع الرجاء عن التلاق
وفي الحديث :"إن العبد ليعالج كرب الموت وسكراته وإن مفاصله ليسلم بعضها على بعض" يقول السلام عليك أفارقك وتفارقني إلى يوم القيامة.
(قال الشيخ سعدى) :
كوس رحلت بكوفت دست أجل
أي در شعم ودع سر بكنيد
أي كف ودست وساعد وبازو
همه توديع يكدكر بكنيد
بر من افتاده مرك دشمن كام
آخر أي دوستان كذر بكنيد
روز كارم بشد بناداني
من نكردم از شما حذر بكنيد
قال يحيى بن معاذ رحمه الله إذا دخل الميت القبر قام على شفير قبره أربعة أملاك واحد عند رأسه والثاني عند رجليه والثالث عن يمينه والرابع عن يساره فيقول الذي عند رأسه يا ابن آدم أرفضت الآجال أي تفرقت وأنصيت الآمال أي هزلت ويقول الذي عن يمينه ذهبت الأموال وبقيت الأعمال ويقول الذي عن يساره ذهبت الأشغال وبقي الوبال ويقول الذي عند رجليه طوبى لك إن كان كسبك من الحلال وكنت مشتغلاً بخدمة ذي الجلال ﴿وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ﴾ الالتفف برهم ييدن أي والتفت ساقه بساقه والتوت عليها عند قلق الموت فالساق العضو المخصوص والتفافهما اجتماعهما والتواء
٢٥٥
أحداهما بالأخرى أو التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة على أن الساق مثل في الشدة وجه المجاز الإنسان إذا دهمته شدة شمر لها عن ساقيه فقيل للأمر الشديد ساق من حيث إن ظهورها لازم لظهور ذلك الأمور قد سبق في قوله تعالى : يوم يكشف عن ساق وعن سعيد بن امسيب هما سقاه حين تلفان في أكفائه ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَـاـاِذٍ الْمَسَاقُ﴾ أي إلى الله وإلى حكمه يساق الإنسان لا إلى غيره أي يساق إلى حيث لا حكم هناك إلا الله.
(وقال الكاشفي) : بسوى جزاى رورد كارتو آروز باز كشت باشد همه كس را.
فالمساق مصدر ميمي بمعنى السوق بالفارسية راندن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٤٣