﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ لأن نسبة ذاته المقتضية للقدرة إلى الكل سواء فهو القادر على الإيجاد والإعدام والإسقام والإبراء والإعزاز والإذلال والتبييض والتسويد ونحو ذلك من الأمور الغير المتناهية قال بعضهم درة الله تصلح للخلق وقدرة العبد تصلح للكسب فالعبد لا يوصف بالقدرة على الخلق والحق لا يوصف بالقدرة على الكسب فمن عرف إنه تعالى قادر خشى من سطوات عقوبته عند مخالفته وأمل لطائف نعمته ورحمته عند سؤال حاجته لا بوسيلة طاعته بل بكرمه ومننه وفي التأويلات النجمية ينزه ذاته المسبحة المقدسة عن الأمثال والأضداد والأشكال والأنداد ما في السموات القوي الروحانية وما في أرض القوي الجسمانية له ملك الوجدو المطلق وله الحمد على نعمة ظهوره في الوجود المقيد وهويته المطلقة قادرة على ظهوها الإطلاق والتقييد وهيفي عينها نمزهة عنهما وهما نسبتان اعتباريتان ﴿هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ﴾ خلقا بديعاً حاوياً لجميع مبادي الكمالات العلمية والعملية ومع ذلك ﴿فَمِنكُمْ كَافِرٌ﴾ أي فبعضكم أو فبعض منكم مختار للكفر كاسب له حسبا تقتضيه خلقته ويندرج فيه المنافق لأنه كافر مضمر وكان الواجب عليكم جميعاً إن تكونوا مختارين للإيمان شاكرين لنعمة الخلق والإيجاد وما يتفرع عليها من سائر النعم فما فعلتم ذلك مع تمام تمكنهم منه بل تشعبتم شعاً وتفرقتم فرقاً قال في فتح الرحمن الكفر فعل الكافر والإيمان فعل المؤمن والكفر والإيمان اكتساب العبد لقول النبي عليه السلام كل مولود يولد على الفطرة وقوله فطرة الله التي فطر الناس عليها فلكل واحد من الفريقين كسب واختيار وكسبه واختياره بتقدير الله ومشيئته فالمؤمن بعد خلق الله إياه يختار لإيمان لأن الله تعالى أراد ذلك منه وقدره عليه وعلمه منه والكافر بعد خلق الله إياه يختار الكفر لأن الله تعالى قدر عليه ذلك وعلمه منه وهذا طريق أهل السنة انتهى وفي لآية رد للدهرية والطبيعية فإنهم ينكرون خالقية الله تعالى والخالق هو المخترع للأعيان المبدع لها.
(حكى) إن سنيا ناظر معتزلياً في مسألة القدر، فقطف المعتزلي تفاحة من شجرة وقال للسني : أليس أنا الذي قطفت هذه فقال له : السني إن كنت الذي قطفتها فردها على ما كانت عليه فأفحم المعتزلي وانقطع، وإنما ألزمه بذلك لأن القدرة التي صحل بها الإيجاد لا بد أن تكون صالحة للضدين، فلو كان تفريق الأجزاء بقدرته لكان في قدرته وصلها ومن أدب من
عرف إنه سبحانه هو المنفرد بالخلق والإيجاد أن لا يجحد كسب العبد ولا يطوي بساط الشرع في الابتلاء بالأمر والنهي ولا يعتقد إن للعبد على الله حجة بسبب ذلك.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢
حكى إن بعض الأكابر تعجب من تجاسر الملائكة في قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها ثم قال : ما عليهم شيء هو أنطقهم فبلغ قوله يحيى بن معاذ الرازي رضي الله عنه فقال : صدق هو أنقهم ولكن انظر كيف أفحمهم بين بذلك إن مجرد الخلق من جهة الحلق لا يكون عذراً للعبيد في سقوط اللوم عنهم ﴿وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ﴾ مختار للإيمان كاسب له ويندرج فيه مرتكب الكبيرة الغير التائب والمبتدع الذي لا تفضى بدعته إلى الكفر، وتقديم الكفر عليه لأنه إلا نسب بمقام التوبيخ والأغلب فيما بينهم ولذا يقول الله في يوم الموقف يا آدم أخرج بعث النار يعني ميز أهلها المبعوث إليها قال : وما بعث النار أي عدده قال ا من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون وفي التنزيل ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وقليل من عبادي الشكور والإيمان أعظم شعب الشكر.
(روى) أن عمر رضي الله عنه سمع رجلاً يقول اللهم اجعلني من القليل فقال له عمر ما هذا الدعاء فقال الرجل إني سمعت يقول وقليل من عبادي الشكور فإنما ادعو أن يجعلني من ذلك القليل فقال عمر : كل الناس اعلم من عمر.