وفي التأويلات النجمية : أعلم أن للإنسان صورة علمية غيبية وصورة عينية شهادية وهو من حيث كلتا الصورتين مذكور عند الله أزلاً وأبداً لا يعزب عن علمه مثقال ذرة لعلمه الأزلي الأبدي بالأشياء قبل إيجاد الأشياء وقبل وجوده خلق الخلق وهم معدومون في كتم العدم وعلمه بنفسه يستلزم علمه بأعيان الأشياء لأن الأشياء مظاهر أسمائه وصفاته وهي عين ذاته فافهم أي ما أتى على الإنسن حين من الأحيان وهو كان منسياً فيه بالنسبة إلى الحق وكيف وهو مخلوق على صورته وصورته حاضرة له مشهودة عنده وهل للاستفهام الإنكاري بخلاف المحجوبين عن علم المعرفة والحكمة الإلهية وقال جعفر الصادق رضي الله عنه هل أتى عليك يا إنسان وقت لم يكن الله ذاكراً لك فيه ﴿إِنَّا خَلَقْنَا الانسَـانَ﴾ أي خلقناه يعني جسمه والإظهار لزيادة التقرير ﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ حتى كان علقة في أربعين يوماً ومضغة في ثمانين ومنفوخاً فيه الروح في مائة وعشرين يوماً كما كان أبوهو آدم خلق من طين فألقى بين مكة والطائف فأقام أربعين سنة ثم من حمأ مسنون فأقام أربعين سة أخرى ثم من صلصال فأقام أربيعن سنة أخرى فتم خلقه في مائة وعشرين سنة فنفخ فيه الروح على ما جاء في رواية الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما فما كان
٢٥٩
سنين في آدم كان أياماً في أولاده وحمل بعضهم الإنسان الأول على آدم والثاني على أولاده على أن يكون الحين هو الزمن الطيول الممتد الذي لا يعرف مقاره والأول وهو حمله في كلا الموضعين على الجنس أظهر لأن المقصود تذكير الإنسان كيفية الخلق بعد أن لم يكن ليتذكر أول أمره من عدم كونه شيئاً مذكوراً أو آخر أمره من كونه شيئاً مذكوراً مخلوقاً من ماء حقير فلا يستبعد البعث كما سبق ﴿أَمْشَاجٍ﴾ أخلاط بالفارسية آميختها.
جمع مشج كسبب أو كتف على لغتيه أو مشيج من مشجت الشيء إذا خلطته وصف النطفة بالجمع مع أفرادها لما إن المراد بها مجموع الماءين يختطان في الرحم ولكل منهما أوصاف مختلفة من اللون والرقة والغلظ وخواص متباينية فإن ماء الرجل أبيض غليظ فيه قوة العقد وماء المرأة أصفر رقيق فيه قوة الانعقاد فيخلق منهما الولد فأيهما علا صاحبه كان الشبه له وما كان من عصب وعظم وقوة فمن ماء الرجل وما كان من لحم ودم وشعر فمن ماء المرأة على ما روى في المرفوع وفي الخبر ما من مولدو إلا وقد ذر على نطفته من تربة حفرته كل واحد منهما مشيج بالآخر وقال الحسن رحمه الله، نطفة مشيجة بدم وهو دم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض وإليه ذهب صاحب "القاموس" حيث قال ونطفة أمشاج مختلطة بماء المرأة ودمها انتهى فيكون النطفتان ودمها جمعاً وقال الراغب : هو عبارة عما جعل الله بالنطفة من القوى المختلفة المشار إليها بقوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة الآية انتهى.
فيكون معنى أمشاج ألوان وأطوار على ما قال قتادة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي التأويلات النجمية : أي من نطفة قوة القابلية الممتشجة المختلطة بنطفة قوة الفاعلية أي خلقناه من نطفة الفيض الأقدس المتعلق بالفاعل ونطفة الفيض المقدس المتعلق بالقابل فالفيض الأقدس الذاتي بمنزلة ماء الرجل والفيض المقدس إلا سمائي بمنزلة بمنزلة ماء المرأة ﴿نَّبْتَلِيهِ﴾ حال مقدرة من فاعل خلقنا أي مريدين ابتلاءه واختباره بالتكليف فيما سيأتي ليتعلق علمنا بأحواله تفصيلاً في العين بعد تعلقه بها إجمالاً في العلم وليظهر أحوال بعضهم لبعض من القبول والرد والسعادة والشقاوة ﴿فَجَعَلْنَـاهُ سَمِيعَا بَصِيرًا﴾ ليتمكن من استماع الآيات التنزيلية ومشاهدة الآيات التكوينية فهو كالمسبب عن الابتلاء أي عن إرادته فلذلك عطف على الخلق المقيد به بالفاء كأنه قيل إنا خلقناه مريدين تكليفه فأعطيناه ما يصح معه التكليف والابتلاء وهو السمع والبصر وسائر آلات التفهيم والتمييز وطوى ذكر العقل لأن المراد ذكر ما هو من أسبابه والآلة التي بها يستكمل فطريقه الأول لأكثر الخلق من السعداء السمع ثم البصر ثم تفهم العقل وفي اختيار صيغة المبالغة إشارة إلى كمال إحسنه إليه وتمام إنعامه وبصيراً مفعول ثان بعد ثان لجعلناه.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي التأويلات النجمية : فجعلناه سميعاً جميع المسموعات بصيراً جميع المبصرات كما قال كنت سمعه وبصره فبي يسمع وبي يبصر فلا يفوته شيء من المسموعات ولا من المبصرات فافهم جداً يا مسكين وقال أبو عثمان المغربي قدس سره ابتلى الله الخلق بتسعة أمشاج ثلاث فتانات هي سمعه وبصره ولسانه وثلاث كافرات هي نفسه وهواه وعدوه الشيطان وثلاث مؤمنات هي عقله وروحه وقلبه فإذا أيد الله العبد بالمعونة قهر العقل على
٢٦٠


الصفحة التالية
Icon