وفي "المفردات البر" خلاف البحر وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع يفعل الخير وبر العبد ربه توسع في طاعته ويشمل الاعتقاد والأعمال الفرائض والنوافل وقال سهل رحمه الله : الأبرار الذين فيهم خلق من أخلاق العشرة الذين وعدلهم النبي عليه السلام بالجنة قال عليه السلام : إنثلاثمائة وستين خلقاً من لقبه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة قال أبو بكر رضي الله عنه، هل في منها يا رسول الله قال كلها فيك يا أبا بكر وأحبها إلى الله السخام ﴿يَشْرَبُونَ﴾ في الجنة والشرب تناول كل مائع ماء كان أو غاره قال يشربون ابتاء كالمطيعين أو انتهاء كالمعذبين من المؤمنين بحكم العدل ﴿مِن كَأْسٍ﴾ هي الزجاجة إذا كانت فيها خمر وتطلق على نفس المر أيضاً على طريق ذكر المحل وإرادة الحال وهو المراد هنا عند الاوكثر حتى روى عن الضحاك إنه قال كل كاس في القرآن فإنما عنى به الخمر فمن على الأول ابتدائية وعلى الثاني تبعيضية أو بيانية ﴿كَانَ﴾ بتكوين الله ﴿مِزَاجُهَا﴾ أي ما تمزج تلك الكأس به يقال مزج الشراب خلطه ومزاج البدن ويمازجه من الصفراء والسوداء والبلغم والدم والكيفيات المناسبة لكل منها ﴿كَافُورًا﴾ أي ماء كافور وهو اسم عين في الجنة في المقام المحمدي وكذا سائر العيون ماؤها في بياض الكافور ورائحته وبرده دون طعمه وإلا فنفس الكافور لا يشرب ونظيره حتى إذا جعله ناراً أي كنار والكافور طيب معروف يطيب به الأكفان والأموات لحسن رائحته واشتقاقه من الكفر وهو الستر لأنه يغطي الأشياء برائحته وفي "القاموس"
٢٦٢
الكافور طيب معروف يكون من شجر بجبال بحر الهند والصين يظل خلقاً كثيراً وتالفه النمورة وخشبه أبيض هش ويوجد في أجوافه الكافور وهو أنواع ولونها أحمر وإنما تبيض بالتصعد وعين في الجنة انتهى.
والجملة صفة كأس ﴿عَيْنًا﴾ بدل من كافوراً يعني : كافور شمه ايست.
والعين الجارية ويقال لمنبع الماء تشبيهاً بها في الهيئة وفي سيلان الماء فيها ﴿يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ﴾ صفة عين وعباد الله هنا الأبرار من المؤمنين لأن إضافة التكريم إلى اسمه الأعظم مختصة بالمؤمن في الغالب كالإضافة إلى كناية التكلم كقول يا عبادي لرعايتهم حق الربوبية فمن لم يراعه فكأنه ليس بعبد له أي يشربون با الخمر لكونها ممزوجة بها كما تقول شربت الماء بالعسل فيكون كناية عن قوتها في لذتها وعلى هذا فيه إشارة إلى أن المقربين الأقوياء يشربون شراب الكافور صرفاً غير ممزوج والظاهر يشرب منها فالباء بمعنى من فان حروف العوامل ينوب بعضها مناب بعض ونظيره قوله تعالى :[الأعراف : ٥٧-٦]﴿فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَآءَ﴾ أي أزال من السحاب الماء صرح به الشيخ المكي رحمه الله في قوت القلوب يفجرونها تفجيراً} التفجير والتفجرة آب راندن.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٥٨
وفي "المفردات" الفجر شق الشيء شقاً واسعاً كفجر الإنسان السكر يقال فجرته فنفجر وفجرته فتفجر والمعنى يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم كما يفيده باء التفعيل إذ التشديد للكثرة إجراء سهلاً لا تمنع عليهم بل تجري جرياً بقوة واندفاع لأن الأنهار منقادة لأهل الجنة كالأشجار وغيرها فتفجيراً مصدر مؤكد للفعل المتضمن معنى السهولة والجملة صفة أخرى لعينا.
وفي التأويلات النجمية : يشير بالأبرار إلى عباد الله المخلصين المخصوصين بفيض الاسم الأعظم الشامل للأسماء للذين سقاهم ربهم المتجلى لهم باسمه الباسط بكأس المحبة طهور شراب العشق الممزوج بكافور برد اليقين المفجر الجاري في أنهار أرواحهم وأسرارهم وقلوبهم من فرط الرحمة وشمول النعمة.
وقال القاشاني : إن الأبرار السعداء الذين برزوا عن حجاب الآثار والأفعال واحتجبوا بحجب الصفات غير واقفين معها بل متوجهين إلى عين الذات مع البقاء في عالم الصفات وهم المتوسطون في السلوك يشربون من كأس محبة حسن الصفات لا صرفاً بل كان في شرابهم مزج من لذة محبة الذات وهي العين الكافورية المفيدة للذة يرد اليقين وبياض النورية وتفريح القلب المخترق بحرارة الشوق وتقويته فإن للكافور خاصية التبريد والتفريح والبياض والكافور عين يشرب بها صرفة عباد الله الذين هم خاصته من أهل الوحدة الذتية المخصوص محبتهم يعين الذات دون العسفات لا يفرقون بين القهر واللطف والرفق والعنف والنعمة والبلاء والشدة والرخاء بل تستقر محبتهم مع الأضداد وتستمر لذتهم في النعماء والضراء والرحمة والزحمة كما قال أحدهم :
هواي له فرض تعطف أم جفا
ومشربه عذب تكدر أم صفا
وكلت إلى المحبوب أمري كله
فإن شاء أحياني وإن شاء أتلفا
وأما الأبرار فلما كانوا يحبون المنعم واللطيف والرحيم لم تبق محبتهم عند تجلى القهار
٢٦٣
والمبتلى والمنتقم بحالها ولا لذتهم بل يكرهون ذلك يفجرونها تفجير لأنهم مابعها لا اثنينية ثمة ولا غيرية وإلا لم يكن كافور الظلمة حجاب الأنانية واثنينيته وسواده انتهى.