﴿وَالْمُرْسَلَـاتِ عُرْفًا * فَالْعَـاصِفَـاتِ عَصْفًا * وَالنَّـاشِرَاتِ نَشْرًا * فَالْفَـارِقَـاتِ فَرْقًا * فَالْمُلْقِيَـاتِ ذِكْرًا﴾،
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٨٠
الواو للقسم والمرسلات بمعنى الطوائ المرسلات جمع مرسلة بمعنى طائفة مرسلة باعتبار إن ملائكة كل يوم أو كل عام أو ك حادثة طائفة وعرفاً بمعنى متتابعة من عرف الفرس وهو الشعرات المتتابعة فوق عنقه فهو من باب الشتبيه البليغ بأن شبهت الملائكة المرسلون في تتابعهم بشعر عرف الفرس وانتصابه على الحالية إن جاريات بعضها أثر بعض كعرف الفرس أو العرف بمعنى المعروف والإحسان نقيض النكر بمعنى النمكر أي الشيء القبيح فإنهم إن أرسلوا لرحمة فظاهر وإن أرسلوا لعذاب الكفار فذلك معروف للأنبياء والمؤمنين يعني إن عذاب الأعداء إحسان للأولياء فانتصابه على العلية وعصفت الريح اشتدت وعصفا مصدر مؤكد وكذا نشراً وفرقاً والفاء للدلة على اتصال سرعة جريهن في نزولهن
٢٨٠
وهبوطهن بالإرسال من غير مهلة وهي لعطف الصفة على الصفة إذا لموصوف متحد والنشر بمعنى البسط والعدول إلى الواو في الناشرات لأنها غير المرسلات فالقسم الأول وصفهم الله بوصفين يتعقب أحدهما على الآخر والقسم الثاني وصفهمبثلاثة أصواف كذلك والفرق الفصل والإلقاء هنا بمعنى الإيصال والإنزال لا الطرح وذكرا بمعنى الوحي مفعول الملقيات وترتيب الإلقاء على ما قبله بالفاء ينبغي أن يكون لتأويله بإرادة النشر والفرق وسيأتي تمامه اقسم الله بطوائف من الملائكة أرسلهن بأوامره بنحو التدبير وإيصال الأرزاق بالتصرف في الإطار والرياح وكتابة مال العباد بالليل والنهار وقبض الأرواح فعصفهن في مضيهن يعني سخت رفتند.
عصف الرياح مسارعة في الامتثال بالأمر وبطوائف أخرى نشرن أجنحتهن في الجو عند انحطاطهن بالوحي أو نشرت الشرائع في الأقطار أي فرقن واشعن أو نشرن النفوس الموتى بالكفر والجهل أي أحيين بما أو حين ففرقن بين الحق والباطل فألقين ذكراً إلى الأنبياء ﴿عُذْرًا﴾ لأهل الحق أي معذرة لهم في الدنيا والآخرة لاتباعهم الحق ﴿أَوْ نُذْرًا﴾ لأهل الباطل لعدم أتبعهم الحق وعذراً مصدر من عذر إذ محا الإساءة ونذراً اسم مصدر من أنذر إذا خوف لا مصدر لأنه لم يسمع فعل مصدراً من أفعل وانتصابهما على البدلية من ذكراً قال ابن الشيخ : إن كان الذكر المبدل منه بمعنى جميع الوحي يكون عذراً أو نذراً بدل البعض من الكل فإن ما يتعلق بمغفرة المطيعين وتخويف المعاندين بعض من جملة الوحي وإن أريد بالذكر المبدل منه ما يتعلق بسعادة المؤمن وشقاوة الكافر خاصة كيون بدل الكل من الكل فإن إلقاء ما يتعلق بسعادة المؤمن متحد بالذات مع القاء عذره نحو إساءته وكذا إلقاء ما يتعلق بشقاوة الكافر متحد مع إلقاء إنذاره عى كفره انتهى.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٨٠
أو انتصابهما على العلية لصفات المذكورة أو للأخيرة وحدها وهو الأولى بمعنى فاللاتي ألقين ذكراً لمحو ذنوب المعتذرين إلى الله بالتوبة والاستغفار ولتخويف المبطلين المصرين وفي كشف الأسرار لأجل الأعذار من الله إلى خلقه لئلا يكون لأحد حجة فيقول لما يأتني رسول ولأجل إنذارهم من عذاب الله وعن ابن عباس رضي الله عنهما فيقوله عذراً أو نذراً قال : يقول الله يا ابن آدم إنما أمرضكم لا ذكركم وامحص به ذنوبكم واكفر به خطاياكم وربكم اعلم إن ذلك المرض يشتد عليكم وأنا في ذلك معتذر إليكم قال بعضهم : المعنى ورب المرسلات.
الخ.
وفي "الإرشاد" لعل تقديم نشر الشرائع ونشر النفوس والفرق على الإلقاء أي مع إن الظاهر إن الفرق بين الحق الباطل يكون مع النشر لا بعده وإن إلقاء الذكر إلى الأنبياء متقدم على نشر الشرائع في الأرض وإحياء النفوس الموتى والفرق بين الحق والباطل ف يظهر التعقيب بينهما للإيذان بكونها غاية للإلقاء حقيقة بالاعتناء بها أو للإشعار بأن كلا من الأوصاف المذكورة مستقل بالدلالة على استحقاق الطوائف الموصوفة بها للتفخيم والإجلال بالأقسام بهن ولو جيء بها على ترتيب الوقوع لربما فهم إن مجموع الإلقاء والنشر والفرق هو الموجب لما ذكر من الاستحقاق هذا وقد قيل في هذا المقام غير ذلك لكن الحمل على الملائكة
٢٨١
أوجه وأسد لما ذكرنا في المدثر أن المحققين على إنه من الملائكة المرسلات والناشرات والملقيات وغير ذلك.