﴿عَمَّ﴾ أصله عن ما أدغمت النون في الميم لاشتراكهما في الغنة فصار عما ثم حذفت الألف كما في لم وبم وفيم وإلى م وعلى م فإنها في الأصل لما وبما وفيما وإلى ما وعلى ما إما فرقا بين الاستفهامية وغيرها أو قصداً لخفة لكثرة استعمالها وقد جاءت في العشر غير محذوفة كما ذكره أبو البقاء وما فيها من الإبهام للإيذان بفخامة شأن المسؤول عنه وهو له وخروجه عن حدود الأجناس المعهودة كأنه خفي جنسه فيسأل عنه فالاستفهام ليس على حقيقته بل لمجرد التفخيم فإن المسؤول عنه ليس بمجهول بالنسبة إلى الله تعالى إذ لا يخفى عليه خافية والمعنى عن أي شيء عظيم
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ أي أهل مكة وكانوا يتساءلون عن البعث والحشر الجسماني ويتحدثون فيما بينهم ويخوضون فيه إنكاراً واستهزاء لكن لا على طريقة التساؤل عن حقيقته ومسماه بل عن وقوعه الذي هو حال من أحواله ووصف من أوصافه فإن ما وإن وضعت لطلب حقائق الأشياء ومسميات أسمائها كما في قولك ما الملك وما الروح لكنها قد يطلب بها الصفة والحال تقول ما زيد فيقال عالم أو طبيب ﴿عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ﴾ النبأ الخبر الذي له شأن وخطر وهو جوابو بيان لشأن المسؤول عنه كأنه قبل عن أي شيء يتساءلون هل أخبكرم به ثم قيل بطريق الجواب عن النبأ العظيم الخارج عن دائرة علوم الخلق يتساءلون على منهاج قوله تعالى :[غافر : ١٦]﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ والفائدة في أن يذكر السؤال ثم أن يذكر الجواب معه إن هذا الأسلوب أقرب إلى التفهيم والإيضاح فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال فإن الجار فيه مقدم على متعلقه وقيل عن النبأ العظيم استفهام آخر بمعنى أعن النبأ العظيم أم عن غيره إلا أنه حذف منه حرف الاستفهام للدلالة المذكور عليه ونظيره قوله تعالى : أفأن مت فهم الخالدون أي أفهم الخالدون الذي هم فيه مختلفون} وصف للنبأ بعد وصفه بالعظيم تأكيد الخطرة أثر تأكيد وإشعاراً بمدار التساؤل عنه وفيه متعلق بمختلفون قدم عليه اهتماماً به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيي وما يهلكنا إلا الدهر وما نحن بمبعوثين ومن مقر يزعم أن آلهته تشفع له كما قالوا هؤلاء شفعاؤنا عنذد الله ونم شاك يقول ما ندري ما الساعة أن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين وفيه إشارة إلى القيامة الكبرى وهي البقاء بعد الفناء أو بعث القلب
٢٩٢
بعد موت النفس فالروح وقواه تقربها والنفس وصفاتها تنكرها لأنها جاهلة فضلاً عن كونها ذائقة ومن لميذق لم يعرف (قال الكمال الخجندي) :
زاهد نعجب كركند از عشق نورهيز
كين لذت ابن باده ه اندكه نخوردست
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢


الصفحة التالية
Icon