شمسه مسند وهفت اختران
ختم رسل خواجه يغمبران
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٢٩٧ حتى ص٣٠٨ رقم٣١
وأنزلنا} النون للعظمة وللإشارة إلى جمعية الذات والأسماء والصفات ﴿مِنَ الْمُعْصِرَاتِ﴾ هي السحائب إذا أعصرت أي شارفت أن تعصرها الرياح فتمطر ولم تعصرها بعد فالإنزال من المستعد لا من الواقع وإلا يلزم تحصيل الحاصل وهمزة اعصر للحينونة والمعصرات اسم فاعل يقال أحصد الزرع إذا حان له أن يحصد وأعصرت الجارية أي حان لها أن تعصر الطبيعة رحمها فتحيض وفي المفردات المعصر المرأة التي حاضت ودخلت في عصر شبابها انتهى.
ولو لم تكن للحينونة لكان ينبغي أن يقرأ المعصرت بفتح الصاد على إنه اسم مفعول لأن الرياح تعصرها ويجوز أن يكون المراد من المعصرات الرياح التي حان لها أن تعصر فتمطر فهي أيضاً اسم فاعل والهمزة للحينونة كذلك فإن قيل لم لم تجعل الهمزة للتعدية قلنا لأن الرياح عاصرة لا معصرة ﴿مَآءً ثَجَّاجًا﴾ أ منصباً بكثرة والمراد تتابع القطر حتى يكثر الماء فيعظم النفع به يقال ثج الماء أي سال بكثرة وانصب وثجه غيره أي أساله وصيه فهو لازم ومتعد ومن الثاني قوله عليه اسلام أفضل الحج العج والثج أي رفع الصوت بالتلبية وصب دماء الهدى وفسره الزجاج بالصباب كأه يثج نفسه مبالغة فيكون متعدياً ولا منافاة بن هذا وبين قوله تعالى :[لقمان : ١٠-١٥]﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَ﴾ فإن ابتداء المطر إن كان من السماء يكون الإنزال منها إلى سحاب ومنه إلى الأرض وإلا فإنزاله منها باعتبار تكونه بأسباب سماوية من جملتها حرارة الشمس فإنها تثير وتصعد الأجزاء المائية من أعماق الأرض الرطبة أو من البحار والأنهار إلى جو الهواء فتنعقد سحاباً فتمطر فالإنزال من المعصرات حقيته
٢٩٧
ومن السماء مجاز باعتبار السببية والله مسب الأسباب لنخرج به} أي بذلك الماء أي بسبب وصوله إلى الأرض واختلاطه بها وبما فيها وهذه اللام لام المصلحة لا لأم الغرض كما تقول المعتزلة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
﴿حَبًّا﴾ كثيراً يقتات به أي يكون قوتاً للإنسان وهو ما يقوم به بدنه كالحنطة والشعير ونحوهما وفي عين المعاني الحب اسم جنس يعني به الجمع قال الراغب الحب والحبة.
يعني : بالفتح يقال في الحنطة والشعير ونحوهما من المطعومات والحب والحبة يعني بلكسر يقال في بزور الرياحين وحبة القلب تشبيهاً بالحبة في الهيئة ﴿وَنَبَاتًا﴾ كثيراً يعتلف به أي يكون علفاً للحيوان كالتبن والحشيش كما قال تعالى :[طه : ٥٤-١٦]﴿كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَـامَكُمْ﴾ وتقديم الحب مع تأخره عن النبات في الإخراج لأصلته وشرفه لأن غالبه غذاء الناس ويقال لنخرج به لؤلؤاً وعشباً قال عكرمة ما أنزل الله قطرة إلا أنبت بها عشبة في الأرض أو لؤلؤة في البحر انتهى.
وهو مخالف للمشهور من أن اللؤلؤ لا يتكون من كل مطر بل من المطر النازل في نيسان إلا أن يعمم اللؤلؤ إلى الدر وغيره وجنات} ليتفكه بها الإنسان والجنة في الأصل هي السترة من مصدر جنه إذا ستره تطلقه على النخل والشجر المتكاثف المظلل بالتفاف أغصانه وعلى الأرض ذات الشجر قال الفراء الجنة ما فيه النخيل والفردوس ما فيه الكرم والمراد هنا هو الأشجار لا الأرض ﴿أَلْفَافًا﴾ أي ملتفة تداخل بعضها في بعض وهذا من محسنات الجنان كما ترى في بساتين الدنيا وبالفارسية درهم بييده يعني بسيار ونيكديكر نزديك.
قالوا لا واحد له كالأوزاع والأخياف الأوزاع بمعنى الجماعات المتفرقة كالأخياف فإنه أيضاً بمعنى الجماعات المتفرقة المختلطة ومنه الأخياف للأخوة من آباء شتى وأمهم واحدة أو الواحد لف ككن وأكنان أو لفيف كشريف وأشراف وهو جمع لف جمع لفاء كخضر وخضراء فيكون ألفاًا جمع الجمع أو جمع ملتفة بحذف الزوائد قال ابن الشيخ قدم ذا الحب لأنه هو الأصل في الغذاء وثنى بالنبات لاحتياج سائر الحيوانات إليه وأخرت الجنات لانعدام الحاجة الضرورية إلى الفواكه.
واعلم أن فيما ذكر من أفعاله تعالى دلالة على صحة البعث وحقيته من وجوه ثلاثة الأول باعتبار قدرته تعالى فإن من قدر على إنشاء هذه الأفعال البديعة من غير مثال يحتذيه وقانون ينتحيه كان على الإعادة أقدر وأقوى والثاني باعتبار علمه وحكمته فإن من أبدع هذه المصنوعات على نمط رائق مستتبع لغايات جليلة ونمافع جميلة عائدة إلى الخلق يستحيل إن يفنيها بالكلية ولا يجعل لها عاقبة باقية والثالث باعتبار نفس الفعل فإن اليقظة بعد النوم أنموذج للبعث بعد الموت يشاهدونها كل يوم وكذا إخراج الحب والنبات من الأرض الميتة يعاينونه كل حين كأنه قيل ألم تفعل هذه الأفعال الآفاقية والأنفسية الدالة يفنون الدلالات على حقية البعث الموجبة للإيمان به فمالكم تخوضون فيه إنكاراً وتتساءلون عنه استهزاء.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢