والظاهر ما في تفسي الزاهدي وهو كونهن بنات ست عشرة لكونها نصف سن الرجال وأيضاً دل عليه الوصف بالكعوب وهو ارتفاع ثديهن والمراد إنن بالغات تمام كمال النساء في الحسن واللطافة والصلاح للمصاحبة والمعاشرة بحيث لا يكون في سن الصغر حتى تضعف الشهوة لهن ولا في سن الكبر حتى تنكسر الشهوة عنهن بل رواء الشباب أي ماؤه جار فيهن لم يشبن ولميتغير عن حد الحسن حسنهن وإنما ذكرن لأن بهن نظام الدنيا ولطافة الآخرة من جهة التنعم الجسماني ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ أي مملوءة بالخرم فدهاقاً بمعنى مهقة وصفت به الكأس للمبالغة في امتلائها يقال ادهق الحوض ودهقه ملأه ﴿لا يَسْمَعُونَ﴾ أي المتقون ﴿فِيهَآ﴾ أي في الحدائق ﴿لَغْوًا وَلا كِذاَّبًا﴾ أي لا ينطقون بلغو وهو ما يلغى ويطرح لعدم الفائدة فيه ولا يكذب بعضهم بعضاً حتى يسمعوا شيئاً من ذلك بخلاف حال أهل الدنيا في مجالسهم لا سيما عند شربهم.
قال بعض أهل المعرفة : لا يسمعون فيها كلاماً إلا من الحق فإن من تحقق بالحق لا يسمعه الحق إلا منه ولا يشهده سواه في الدنيا والآخرة ﴿جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ﴾ مصدر مؤكد منصوب بمعنى إن للمتقين مفازاً فإنه في قوة أن يقال جازي المتقين بمفاز جزاء عظيماً كائنا من ربك على أن التنوين للتعظيم ﴿عَطَآءً﴾ أي تفضلاً وإحساناً منه تعالى إذ لا يجب عليه شيء وذلك إن الله تعالى جعل الشيء الواحد جزاء وعطاء وهو يغر ظاهر لأن كونه جزءا يستدعى ثبوت الاستحقاق وكونه عطاء يستدعى عدم الاستحقاق فالجمع بينهما جمع بين المتنافيين لكن ذلك الاستحقاق إنما يثبت بحك الوعد لا من حيث إن الطاعة توجب الثواب على الله فذلك الثواب بالنظر إلى وعده تعالى إياه بمقابلة الطاعة يكون جزاء وبالنظر إلى إنه لا يجب على الله لأحد شيء يكون تفضلاً وعطاء وهذا بمقابلة قوله جزاء وفاقاً لأن جزاء المؤمنين من قبيل افضل لتضاعفه وجزاء الكافرين من قبيل العدل وهو بدل من جزاء بدل الكل من الكل لأن العطاء والجزاء متحدان ذاتا وإن تغايرا في المفهوم وفي جعله بدلاً من جزاء نكتة لطيفة وهي إن بيان كونه عطاء تفضلاً منه هو المقصود وبيان كونه جزاء وسيلة إليه فإن حق البل أن يكون مقصوداً بالنسبة وذكر المبدل
٣٠٨
منه وسيلة إليه ﴿حِسَابًا﴾ صفة لعطاء بمعنى كافياً على إنه مصدر أقيم مقام الوصف أي محسباً وقيل على حسب أعمالهم بأن يجازي كل عمل بما وعدله من الإضعاف من عشرة وسبعمائة وغير حساب فما وعده الله من المضاعفة داخل في الحسب أي المقدار لأن الحسب بفتح السي وسكونها بمعنى القدر والتقدر على هذا عطاء بحساب فحذف الجار ونصب الام قال بعض أهل المعرفة : إذا كان الجزاء من الله لا يكون له نهاية لأنه لاي كون على حد الأعواض بل يكون فوق الحد لأنه ممن لا حد له ولا نهاية فعطاؤه لأحد له ولا نهاية وقال بعضهم : العطاء من الله موضع الفضل لا موضع الجزاء فالجزاء على الأعمال والفضل موهبة من الله يختص به الخواص من أهل وداده.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٢٩٢
وف التأويلات النجمية : إن للمتقين الذين يتقون عن نفوسهم المظلمة المدلهمة بالله وصفاته وأسمائه مفازاً أي فوز ذات الله وصفاته حدائق روضات القلوب المنزهة الأرضية وأعناباً أشجار المعاني والحقائق الثمرة عنب خمر المحبة الذاتية الخامرة عين العقل عن شهود الغير والغيرية وكواعب أتراباً أبكاراً اللطائف والمعارف وكأساً دهاقا مملوءة من شراب المحبة وخمر المعرفة لا يسمعون فيها لغواً من الهواجس النفسانية ولا كذاباً من الوساوس الشيطانية جزاء من ربك عطاء حساباً أي فضلاً تاماً كافياً من غير عمل.
وقال القاشاني : إن للمتقين المقابلين للطاغين المتعدين في أفعالهم حد العدالة مما عينه الشرع والعقل وهم المتزلون عن الرذائل وهيئات السوء من الأفعال مفازاً فوزاً ونجاة من النار التي هي مآب الطاغين حدائق من جنان الأخلاق وأعناباً من ثمرات الأفعال وهيئاتها وكواعب من صور آثار الأسماء في جنة الأفعال أتراباً متساوية في الترتيب وكأساً من لذة محبة الآثار مترعة ممزوجة بالزنجبيل والكافور لأن أهل جنة الآثار والأفعال لا مطمح لم إلى ما وراءها فهم محجوبون بالآثار عن المؤثر وبالعطاء عن المعطي عطاء حساباً كافياً يكفيهم بحسب هممهم ومطامح أبصارهم لأنهم لقصور استعداداتم لا يشتاقون إلى ما وراء ذلك فلا شيء ألذ لهم بحسب أذواقهم مما هم فيه ﴿رَّبِّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ بدل من ربك والمراد رب كل شي وخالقه ومالكه ﴿الرَّحْمَـانُ﴾ مفض الخير والجود على كل موجود بحسب حكمته وبقدر استعداد المرحوم وهو بالجر صفة للرب وقيل صفة للأول وأياماً كان ففي ذكر ربوبيته تعالى للكل ورحمته الواسعة إشعار بمدار الجزاء المذكور قال القاشاني : أي ربهم المعطي إياهم ذلك العطاء هو الرحمن لأن عطاياهم من النعم الظاهرة الجليلة دون الباطنة الدقيقة فمشربهم من اسم الرحمن دون غيره.