بعدها وهي لنفخة الثانية لأنها تجيء بعد الأولى يقال ردفه كسمعه ونصره تبعه كأردفه وأردفته معه اركبته معه كما في "القاموس" وهي حال مقدرة من الراجفة مصححة لوقوع اليوم ظرفاً للبعث أي لتبعثن يوم النفخة الأولى حال كون النفخة الثانية تابعة لها لا قبل ذلك فإنه عبارة عن الزمان الممتد الذي تقع فيه النفختان وبينهما أربعون سنة كما قال في "الكشاف" لتبعثن في الوقت الواسع الذي تقع فيه النفختان وهم يبعثون في بعض ذلك الوقت الواسع وهو وقت النفخة الأخرى انتهى.
قال في "الإرشاد" واعتبار امتداد مع إن البعث لا يكون إلا عند النفخة الثانية لتهويل اليوم ببيان كونه موقعاً فلداهيتين عظيمتين لا يبقى عند وقوع الأولى حي الأمات ولا عند وقوع الثانية ميت إلا بعث وقام ﴿قُلُوبٌ﴾ مبتدأ وتنكيره يقوم مقام الوصف المخصص سواء حمل على التنويع وإن لم يذكر النوع المقابل فإن المعنى منسحب عليه أو على التكثير كما في شر أهر ذا ناب فإن التفخيم كما يكون بالكيفية يكون بالكمية أيضاً كأنه قيل قلوب كثيرة أو عاصية كما قال في التأويلات النجمية : قلوب النفس المتمردة الشاردة النافرة عن الحق ﴿يَوْمَـاـاِذٍ﴾ يوم إذ تقع النفختان وهو متعلق بقوله ﴿وَاجِفَةٌ﴾ أي شديدة الاضطراب من سوء أعمالهم وقبح أفعالهم فإن الوجيف عبارة عن شدة اضطراب القلب وقلقه من الخوف والوجل وعلم منه إن الواجفة ليست جميع القلوب بل قلوب الكفار فإن أهل الإيمان لا يخافون ﴿أَبْصَـارُهَا﴾ أي أبصار أصحابها كما دل عليه قوله يقولون وإلا فالقلوب لا أبصار لها وإنما أضاف الأبصار إلى القلوب لأنها محل الخوف وهو من صفاتها
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿خَـاشِعَةٌ﴾ ذليلة من الخوف بسبب الأعراض عن الله والإقبال على ما سواه يترقبون أي شيء ينزل عليهم من الأمور العظام وأسند الخشوع إليها مجازاً لأن أثره يظهر فيها ﴿يَقُولُونَ﴾ استئناف بياني أي هم يقولون الآن يعني إن منكري البعث ومكذبي الآيات الناطقة به إذا قيل لهم إنكم تبعثون يقولون منكرين له متعجبين منه أياماً ﴿لَمَرْدُودُونَ﴾ معادون بعد موتنا ﴿فِى الْحَافِرَةِ﴾ أي في الحالة الأولى يعنون الحياة من قولهم رجع فلان في حافرته أي طريقته التي جاء فيها فحفرها أي أثر فيها بمشبه وتسميتها حافرة مع إنها محفورة وإنما الحافر هو الماشي في تلك الطريقة كقوله تعالى :[الحاقة : ٢١-١٢]﴿عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ﴾ أي منسوبة إلى الحفر والرضى أو على تشبيه القابل بالفاعل أي في تعلق الحفر بكل منهما فأطلق اسم الثاني على الأول للمشابهة كما يقال صام نهاره تشبيهاً لزمان الفعل بفاعله وقال مجاهد والخليل بان أحمد الحافرة هي الأرض التي يحفر فيها القبور ولذا قال في التأويلات النجمية أي حافرة أجسادنا وقبور صدورنا أئذا} العامل في إذا مضمر يدل عليه مردودون أي أئذا ﴿كُنَّا﴾ يا ون كرديم ما ﴿عِظَـامًا نَّخِرَةً﴾ بالية نرد ونبعث مع كونها أبعد شيء من الحياة فهو تأكيد لإنكار الرد ونفيه بنسبته إلى حالة منافية له ظنوا إن من فساد البدن وتفرق أجزائه يلزم فساد ما هو الإنسان حقيقة وليس كذلك ولو سلم إن الإنسان هو هذا الهيكل المخصوص فلا نسلم امتاع إعادة المعدوم فإن الله قادر على كل الممكنات فيقدر على جمع الأجزاء العنصرية وإعادة الحياة إليها لأنها متميزة في علمه وإن كانت غير متميزة في علم الخلق كالماء مع اللبن فإنهما وإن امتزاجاً
٣١٧
لكن أحدهما متميز عن الآخر في علم الله وإن كان عقل الإنسان قاصراً عن إدراكه والنخر البلى يقال نخر العظم والخشب بكسر العين إذا بلى واسترخى وصار بحيث لو مس لتفتت ونخرة أبلغ من ناخرة لكونها من صيغ المبالغة أو صفة مشبهة دالة على الثبوت ولذا اختارها الأكثر والناخرة أشبه برؤوس الآي ولذا اختارها البعضو قيل النخرة غير الناخرة إذا النخرة بمعنى البالية وإما الناخرة فهي العظام الفارغة المجوفة التي يحصل فيها صوت من هبوب الريح من نخير النائم والمجنون لا من النخر بمعنى البلى قال الراغب : النخير صوت من الأنف وسمى خرق الأنف الذي يخرج منه النخير منخران فالمنخران ثقبتنا الأنف
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤