وفي "القاموس" النداء الصوت أي هل أتاك حديثه الواقع حين ناداه ربه إذ المراد خبره الحادث فلا بد له من زمان يحدث فيه لا ظرف للإتيان لاختلاف وقني الإتيان والنداء لأن الإتيان لم يقع في وقت النداء أو مفعول لا ذكر المقدور عليه وضع السجاوندي علامة الوقف اللازم على موسى وقال لأنه لو وصل صار إذ ظرفاً لإتيان الحديث وهو محال لعله لم يلتفت إلى عمل حديث لكونه هنا اسماً بمعنى الخبر مع وجود فعل قوي في العمل قبله وبالجملة لا يخلو عن إيهام فالوجه الوقف كذا في بعض التفاسير ﴿بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ﴾ المبارك المطهر بتطهير الله عما لا يليق حين مكالمته مع كليمه أو سمى مقدساً لوقوعه في حدود الأرض المقدسة المطهرة عن الشرك ونحوه وأصل الوادي الموضع الذي يسيل فيه الماء ومنه سمى المنفرج بين الجبلين وادياً والجمع أودية ويستعار للطريقة كالمذهب والأسلوب فيقال فلان في واد غير واد بك ﴿طُوًى﴾ بضم الطاء والتنوين تأويلاً له بالمكان أو بغير تنوين تأويلاً له بالبقعة قال الفراء الصرف أحب إلى إذ لم أجد في المعدول نظيراً أي لم أجد اسماً من الوادي عدل عن جهته غير طوى وهو اسم للوادي الذي بين المدينة ومصر فيكون عطف بيان له.
قال القاشاني : الوادي المقدس
٣١٩
هو عالم الروح المجرد لتقدسه عن التعلق بالمواد واسمه طوى لانطواء الموجودات كلها من الأجسام والنفوس تحته وفي طيه وقهره وهو عالم الصفات ومقام المكالمة من تجلياتها فلذلك ناداه بهذا الوادي ونهاية هذا العالم هو الأفق الأعلى الذي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنده جبريل على صورته ﴿اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ﴾ على إرادة القول أي فقال له اذهب إلى فرعون ﴿إِنَّه طَغَى﴾ تعليل للأمر أو لوجوب الامتثال به والطغيان مجاوزة الحاي طغى على الخالق بأن كفر به وطغى على الخلق بأ تكبر عليه واستعبدهم فكما إن كمال العبودية لا يكون إلا بالصدق مع الحق وحسن الخلق مع الخلق فكذا كمال الغطاين يكون بسوء المعاملة معهما.
وقال القاشاني : أي ظهر بأنانيته وذلك إن فرعون كان ذا نفس قوية حكيماً عالماً سلك وادي الأفعال وقطع بوادي الصفات واحتجب بأنانيته وانتحل صفات الربوبية ونسبها إلى نفسه وذلك تفرعنه وجبروته وطغيانه فكان ممن قال فيه عليه السلام، شر الناس من قامت القيامة عليه فهو حي لقيامة بنفسه وهواها في مقام توحيد الصفات وذلك من أقوى الحجب
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿فَقُلْ﴾ بعد ما أتيته ﴿هَل لَّكَ﴾ رغبة وتوجه ﴿إِلَى أَن تَزَكَّى﴾ بحذف إحدى التاءين من تتزكى أي تتطهر من دنس الكفر والطغيان ووسخ الكدورات البشرية والقاذورات الطبيعية فقوله لك خبر مبتدأ محذوف وإلى أن متعلق بذلك المبتدأ المضمر وقد يقال قوله هل لك مجاز عن أجذبك وادعوك والقرينة هي القريبة وهي المجاورة ﴿وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ﴾ وأرشدك إلى معرفته فتعرفه أشار إلى أن في النظم مضافاً مضمراً وتقديم التزكية لتقدم التخلية على التحلية إذا لخشية لا تكون إلا بعد معرفته، قال تعالى :﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَـاؤُا﴾ أي : العلماء بالله قيل : إنه تعالى قال في آخره ولن يفعل فقال موسى فكيف أمضي إليه وقد علمت إنه لن يفعل فأوحى إليه إن أمض لما تؤمر فإن في السماء اثني عشر ألف ملك يطلبون علم القدر فلم يدركوه وجعل الخشية غاية للهداية لأنها ملاك الأمر لأن من خشى الله أتى منه كل خير ومن أمن اجترأ على كل شر كما قال عليه السلام : من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل يقال أدلج القوم إذا ساروا من أول الليل وإن ساروا من آخر الليل فقد أدلجوا بالتسديد ثم إنه تعالى أمر موسى عليه السلام، بأن يخاطبه بالاستفهام الذي معناه العرض ليستدعيه بالتلطف في القول ويستنزله بالمداراة من عتوه وهذا ضرب تفصيل لقوله تعالى : فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى إما كونه ليناً فلانة في صورة العرض لا في صورة الأمر صريحاً وليس فيه أيضاً ذكر نحو الشرك والجهل والكفر إن من متعلقات التزكي وإما اشتماله على بعض التفصيل فظاهر فأراه} س بنمود اورا موسى ﴿الايَةَ الْكُبْرَى﴾ الفاء فصيحة تفصح عن جمل قد طويت تعويلاً على تفصيلها في السور الأخرى فإنه جرى بينه وبين فرعون ما جرى من المحاورات إلى أن قال كنت جئت بآية فائت بها إن كنت من الصادقين أي فذهب إليه موسى بأمر الله فدعاه إلى التوحيد والطاعة وطلب هو منه المعجزة الدالة على صدقه في دعوته والإراءة إما من التبصيرا والتعريف فإن اللعين
٣٢٠
حين أبصرها عرفها وادعاء سحريتها إنما كان إراءة منه وإظهاراً للتجلد ونسبتها إليه بالنظر إلى الظاهر كما أن نسبتها إلى نون العظمة في قوله ولقد أريناه آياتنا بالنظر إلى الحقيقة والمراد بالآية الكبرى قلب العصاحية والصغرى غيره من معجزاته الباقية وذلك إن القلب المذكور كان المقدم على الكل في الإراءة فينبغي أن يكون هو المراد على ما تقتضيه الفاء التعقيبية


الصفحة التالية
Icon