قال في أسئلة الحكم فإن قلت ما الحكمة في إن إبليس قد لعن ولم يدع الربوبية وفرعون وأمثاله قد اعدوا الربوبية ولم يلعنوا تعييناً وتخصيصاً كما لعن إبليس قيل : لأن نية إبليس شر من نية هؤلاء وقيل لأنه أول من سن الخلاف والشقاق قولاً وفعلاً ونية والخلق بعده ادعوا الربوبية وسنوا البغي والخلاف بوسوسته وإبليس واجه بمخالفته حضرة الرب تعالى وهم واجهوا الأنبياء والوسائط وتضرعوا تارة اعترفوا بالذنوب عند المخلوق أخرى وإبليس لم يعترف ولم يتضرع وهو لأل من سن الكفر فوزر الكفار بعده راجع إليه إلى يوم القيامة ومظهر الضلالة والغواية ذاته بغير واسطة ﴿فَأَخَذَهُ اللَّهُ﴾ بسبب ما ذكر ﴿نَكَالَ الاخِرَةِ وَالاولَى﴾ النكال بمعنى التنكيل كالسلام بمعنى التسليم وهو التعذيب أي الذي ينكل من رأه أو سمعه ويمعنه من تعاطي ما يفضي إليه ومحله النصب على إنه مصدر مؤكد كوعد الله وصبغة الله كأنه قال : نكل الله به نكال الآخرة والأولى وهو الإحراق في الآخرة والإغراق في الدنيا وأخذ مستعمل في معنى مجازي يعم الأخذ في الدنيا والآخرة وإلا يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز لأن الاستعمال في الأخذ الدنيوي حقيقة وفي الأخروي مجاز لتحقق وقوعه وإضافة النكال إلى الدارين باعتبار وقوع نفس الأخذ
٣٢٢
فيهما لا باعتبار أن ما فيه من معنى المنع يكون فيهما فإن ذلك لا يصور في الآخرة بل في الدنيا فإن العقوبة الأخروية تنكل من سمعها وتمنعه من تعاطي ما يؤدي إليها لا محالة.
وفي التأويلات القاشانية : نازع الحق بشدة ظهور أنانيته في رداء الكبرياء فقهر وقذف في النار ملعوناً ما قال تعالى : العظمة أزاري والتكبرياء ردائي فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار ويروى قصمته وذلك القهر هو معنى قوله فأخذه الله.
الخ وقال البقلي : لما لم يكن صادقاً في دعواه، افتضح في الدنيا والآخرة وهكذا كل ما يدعى ما ليس له من المقامات قال بشر انطق الله لسانه بالعريض من الدعاوي وإخلاء عن حقائقها وقال السري : العبد إذا تزيى بزي السيد صار نكالاً ألا ترى كيف ذكر الله في قصة فرعون لما ادعى الربوبية فأخذه الله.
الخ كذبه كل شيء حتى نفسه وفي الوسيط عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال موسى : يا رب أمهلت فرعون أربعمائة سنة ويقول : أنا ربكم الأعلى ويكذب بآياتك ويجهد برسلك فأوحى الله إليه كان حسن الخلق سهل الحجاب فأردت إن أكافئه أي مكافأة دنيوية وكذا حسنات كل كافر وإما المؤمن فأكثر ثوابه في الآخرة ودلت الآية على أن فرعون مات كافراً وفي "الفتوحات المكية" فرعون ونمرود مؤبدان في النار انتهى.
وغير هذا من أقوال الشيخ رحمه الله، محمول على المباحثة فصن لسانك عن الإطالة فإنها من أشد ضلالة.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
يقول الفقير : صدر من فرعون كلمتان الأولى قوله أنا ربكم الأعلى والثانية قوله ما عملت لكم من إله غيري وبينهما على ما قيل أربعون سنة فالظاهر أن الربوبية محمولة على الألوهية فتفسير قوله أنا ربكم إلا على بقولهم أعلى من كل من يلي أمركم ليس فيه كثير جدوى إذ لا يقتضي ادعاء الرياسة دعوى الألوهية كسائر الدهرية والمعطلة فإنهم لم يتعرضوا للألوهية وإن كانوا رؤساء تأمل هذا المقام ﴿إِنَّ فِى ذَالِكَ﴾ أي فيما ذكر من قصة فرعون وما فعل به ﴿لَعِبْرَةً﴾ اعتباراً عظيماً وعظة ﴿لِّمَن يَخْشَى﴾ أي لمن من شأنه أن يخشى وهو من شأنه المعرفة يعني إن العارف بالله وبشؤونه يخشى منه فلا يتمرد على الله ولا على أنبيائه خوفاً من نزول العذاب والعاقل من وعظ بغيره.
و بركشته بختى در افتديه بند
ازونيك بختان بكيرند ند
تويش ازعقوبت در عفو كوب
كه سودى تدارد فغان زير وب
بر آراز كريبان عفلت سرت
كه فردا نماند خجل در برت
يعني درسينه ات ﴿أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ﴾ خطاب لأهل مكة المنكرين للبعث بناء على صعوبته في زعمهم بطريق التوبيخ والتبكيت بعدما بين كمال سهولته بالنسبة لقدرة الله تعالى بقوله تعالى :[النازعات : ٢٧]﴿فَإِنَّمَا هِىَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ فالشدة هنا بمعنى الصعوبة لا بمعنى الصلابة لأنها لا تلائم المقام أي أخلقكم بعد موتكم أشق وأصعب في تقديركم وزعمكم وإلا فكلا الأمرين بالنسبة إلى قدرة الله واحد أم السماء} أم خلق السماء بلا مادة على عظمها وقوة تأليفها وانطوائها على البدائع اتي تحار العقول في ملاحظة أدناها وهو استفهام تقرير ليقروا بأن خلق السماء
٣٢٣


الصفحة التالية
Icon