هما يتعاقبان فيها فكذا المؤمن لا يخلو من نور الإيمان والعمل الصالح ومن ظلمة العمل الفاسد والفكر الكاسد، ولذا قال عليه السلام لعلي رضي الله عنه :"يا علي إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة فإذا كان يوم القيامة يلقى الله الليل في جهنم والنهار في الجنة فلا يكون في الجنة ليل كما لا يكون في النار نهار"، يعني : إن النهارا في الجنة هو نور إيمان المؤمن ونور عمله الصالح بحسب مرتبته والليل في النار هو ظلمة كفر الكافر وظلمة عمله السيء فكما إن الكفر لا يكون إيماناً فكذا الليل لا يكون نهار والنار لا تكون نوراً فيبقى كل من أهل النور والنار على صفته الغالبة عليه وإما القلب وحاله بحسب التجلي فهو على عكس حال القالب فإن نهاره المعنوي لا يتعاقب عليه ليل وإن كان يطرأ عليه استتار في بعض الأوقات ﴿وَالارْضَ بَعْدَ ذَالِكَ دَحَـاـاهَآ﴾ أي : قبل ذلك كقوله تعالى :[الأنبياء : ١٠٥-٢]﴿مِنا بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ أي : قبل القرآن بسطها ومهدها لسكنى أهلها وتقلبهم في أقطارها.
وقال بعضهم : بعد على معناه الأصلي من التأخر فإن الله خلق الأرض قبل خلق السماء من غير يدحوها ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات ثم دحا الأرض بعد ذلك وقال في الإرشاد انتصاب الأرض بمضمر يسره دحاها وذلك إشارة إلى ما ذكر من بناء السموات ورفع سمكها وتسويتها وغيرها لا إلى أنفسها وبعدية الدخول عنها، محمولة على البعدية في الذكر، كما هو المعهود في السنة العرب والعجم لا في الوجود فإن اتفاق الأكثر على تقدم خلق الأرض وما فيها على خلق السماء وما فيها وتقديم الأرض لا يفيد القصر وتعيين البعدية في الوجود لما عرفت من أن انتصابه بمضمر مقدم قد حذف على شريطة التفسير لا بما ذكر بعده ليفيد ذلك وفائدة تأخيره في الذكر إما التنبيه على إنه قاصر في الدلالة على القدرة القاهرة بالنسبة إلى أحوال السماء وإما الإشعار بأنه أدخل في الإلزام لما إن المنافع المنوطة بما في الأرض أكثر وتعلق مصالح الناس بذلك أظهر وإحاطتهم بتفاصل أحواله أكمل وقد مر ما يتعلق بهذا المقام في سورة حم السجدة اخرج منها ماءها} بأن فجر منها عيوناً وأجرى أنهاراً
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿وَمَرْعَـاـاهَا﴾ أي رعيها بالكسر بمعنى الكلأ وهو في الأصل موضع الرعي بالفتح نسب الماء والمرعي إلى الأرض من حيث إنهما منها يظهران وتجريد الجملة عن العاطف لأنها بيان وتفسير لدحاها أو تكملة له فإن السكنى لا تتأتى بمجرد البسط والتمهيد بل لابد من تسوية أمر المعاش من المأكل والمشرب حتماً ﴿وَالْجِبَالَ﴾ منصوب بمضمر يفسر قوله ﴿أَرْسَـاـاهَا﴾ أي : أثبتها وأثبت بها الأرض إن تميد بها وهذا تحقيق للحق وتنبيه على أن الرسو المنسوب إليها في مواضع كثيرة من التنزيل بالتعبير عنها بالرواسي ليس من مقتضيات ذواتها بل هو بإرسائه تعالى ولولاه لما ثبتت في نفسها فضلاً عن إثباتها للأرض ﴿مَتَـاعًا لَّكُمْ وَلانْعَـامِكُمْ﴾ مفعول له بمعنى تمتيعاً والأنعام جمع نعم بفتحتين وهي المال الراعية بمعنى المواشي وفي "الصحاح" وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل والمراد هنا ما يكون عاماً للإبل والبقر والغنم من الضأن والمعز أي : فعل ذلك تمتيعاً ومنفعة لكم ولأنعامكم، لأن فائدة ما ذكر من البسط والتمهيد، وإخراج الماء والمرعي واصلة إليهم وإلى إنعامهم، فإن المراد بالمرعى ما يعم ما يأكله الإنسان
٣٢٥


الصفحة التالية
Icon