وغيره بناء على استعارة الرعي لتناول المأكول على الإطلاق كاستعارة المر من للأنف ولهذا قيل : دل الله تعالى بذكر الماء والمرعي على عامة ما يرتفق به ويتمتع مما يخرج من الأرض حتى الملح فإنه من الماء قال العتبي : هذا أي قوله أخرج منها ماءها ومرعاها من جوامع الكلم حيث ذكر شيئين دالين على جميع ما أخرج من الأرض قوتاً ومتاعاً للأنام من العشب والشجر والحب والثمر والملح والنار لأن النار من الشجر الأخضر والملح من الماء ونكتة الاستعارة توبيخ المخاطبين المنكرين للبعث وإلحاقهم بالبهائم في التمتع بالدنيا والذهول عن الآخرة ﴿فَإِذَا جَآءَتِ الطَّآمَّةُ الْكُبْرَى﴾ قال في الصحاح : كل شيء كثر حتى علا وغلب فقد طم من باب رد والكبرى تأنيث الأكبر من كبر بالضم بمعنى عظم لا من كبر بالكسر بمعنى اسن وهذا شروع في بيان أحوال معادهم أثر بيان أحوال معاشهم والفاء للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها عما قليل كما ينبىء عنه لفظ المتاع والمعنى : فإذا جاء وقت طلوع وقوع الداهية العظمى التي تطم على سائر الطامات والدواهي أي تعلوها وتغلبها فوصفها بالكبرى يكون للتأكيد ولو فسر بما تعلو على الخلائق وتغلبهم كان مخصصاً والمراد القيامة أو النفخة الثانية فإنه بشاهد يوم القيامة من الآيات الهائلة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل وعند النفخة الثانية تحشر الخلائق إلى موقف القيامة خصت النازعات بالطامة وعبس بالصاخة لأن الطم إن كان بمعنى النفخة الأولى للإهلاك فهو قبل الصح، أي : الصوت الشديد الذي يحيى له الناس حين يصيخون له كما ينتبه النائم بالصوت الشديد فهو بمعنى النفخة الثانية فجعل السابق للسورة السابقة واللائق اللاحقة وإن كان بمعنى النفخة الثانية فحسن الموقع في كلا الموضعين لأن العلم ورد بعد قوله تتبعها الرادفة والصخ بعد ما بين عدم إصاخة النبي عليه السلام لابن أم مكتوم
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤
﴿يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الانسَـانُ مَا سَعَى﴾ منصوب بأعني تذكيراً للطامة الكبرى وما موصولة وسعي بمعنى علم أي يتذكر فيه كل أحد كائناً من كان ما عمله من خير أو شر بأن يشاهده مدوناً في صحيفة أعماله وقد كان نسيه من فرط الغفلة وطول الأمد كقوله تعالى :﴿أَحْصَـاـاهُ اللَّهُ وَنَسُوه وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَهِيدٌ﴾ عطفت على جاءت أي أظهرت إظهاراً بينا لا يخفى على أحد بعد أن كانوا يسمعون بها والمراد مطلق النار المعبر عنها بجهنم لا الدركة المخصوصة من الدركات السبع ﴿لِمَن يَرَى﴾ كائناً من كان على ما يفيده من فإنه من ألفاظ اعموم يروى إنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر مؤمن وكافر، وقوله تعالى :[الشعراء : ٩١-٣٧]﴿وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ﴾ للغاوين لا ينافي أن يراها المؤمنون أيضاً حين يمرون عليها مجاوزين الصراط، وقيل للكافر لأن المؤمن يقول أين النار، التي توعدنا بها فيقال : مررتموها وهي خامدة فا من طغى} الخ جواب فإذا جاءت على طريقة قوله :[النازعات : ٣٨]﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ﴾.
الخ.
يقال : إن جئتني فإن قدرت أحسنت إليك ويقال : إذا كانت الدعوة فأما من كان جاهلاً فهناك مقامه وإما من كان عالماً فههنا مقامه أي فأما من عتا وتمرد عن الطاعة وجاوز الحد في العصيان كالنضر وأبيه الحارث المشهورين بالغلو في الكفر والطغيان ١١١١١١١١١١١١
٣٢٦
وآثر} اختار ﴿وَءَاثَرَ الْحَيَواةَ﴾ الفانية التي على جناح الفوات فانهمك فيما متع به فيها ولم يستعد للحياة الآخرة الأبدية بالإيمان والطاعة ﴿فَإِنَّ الْجَحِيمَ﴾ التي ذكر شأنها ﴿هِىَ﴾ لا غيرها وهو ضمير فصل أو مبتدأ ﴿الْمَأْوَى﴾ أي مأواه فلا يخرج من النار كما يخرج المؤمن العاصي فالكلام في حق الكافر لكن فيه موعظة وعبرة موقظة واللام سادة مسد الإضافة للعلم بأن صاحب المأوى هو الطاغي كما في قولك غض الطرف فإنه لا يغض الرجل طرف غيره وذلك لأن الخبر إذا كان جملة لا بد فيها من ضمير يربطها بالمبتدأ فسدت اللام مسد العائد لعدم الالتباس فلا احتياج في مثل هذا المقام إلى الرابطة
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣١٤


الصفحة التالية
Icon