﴿أَمَّا﴾ للتفضيل ﴿مَنِ اسْتَغْنَى﴾ عن الإيمان وعما عندك من العلوم والمعارف التي ينطوي عليها القرآن ﴿فَأَنتَ لَه تَصَدَّى﴾ بحذف إحدى التاءين تخفيفاً أي تتصدى وتتعرض بالإقبال عليه والاهتمام بإرشاده واستصلاحه دون الأعمى وفيه مزيد تنفير له عليه السلام، عن مصاحبتهم فإن الإقبال على المدبر ليس من شيم الكرام والتصدي للشيء التعرض والتقيد به والاهتمام بشأنه وضده التشاغل عنه وفي "المفردات" التصدي التعرض للشيء على حرص كتعرض الصديان للماء أي العطشان وعن بعضهم أصل تصدي تصدد من الصدد وهو ما استقبلك وجاء قبالتك فأدل أحد الأمثال حرف علة ﴿وَمَا عَلَيْكَ أَلا يَزَّكَّى﴾ أي وليس عليك بأس ووزر ووبال في أن لا يتزكى ذلك المستغني بالإسلام حتى تهتم بأمره وتعرض عمن أسلم أن عليك إلا البلاغ وكيف تحرض على الإسلام من ليس له قابلية وقد خلق على حب الدنيا والعمى عن الآخرة وفيه استهانة لمن أعرض عنه فما نافية وكلمة في المقدرة متعلقة باسم ما وهو محذوف والجملة حال من ضمير تصدي مقررة لجهة الإنكار
٣٣٢
﴿وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسْعَى﴾ أي حال كونه مسرعاً طالباً لما عندك من أحكام الرشد وخصال الخير ﴿وَهُوَ﴾ والحال إنه ﴿يَخْشَى﴾ الله تعالى أو يخشى الكفار وإذا هم أتيانك قال سعدي المفتي : الظاهر أن النظم من الاحتباك، ذكر الغنى أولاً للدلالة على الفقر ثانياً والمجيء والخشية ثانياً للدلالة على ضدهما أولاً ﴿فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ بحذف إحدى التاءين تخفيفاً أي تتلهى وتتشاغل من لهى عن الشيء بكسر الهاء يلهى لهيا اعرض عنه لا من لهوت بالشيء بالفتح ألهو لهواً إذا لعبت به لأن الفعل مسند إلى ضمير النبي ولا يليق بشأنه الرفيع أن ينسب إليه التفعل من اللهو بخلاف الاشتغال عن الشيء لمصلحة وفي بضع التفاسير ولو أخذ من اللهو وجعل التشاغل بأهل التغافل من جنس اللهو واللعب لكونه عبثاً لا يترتب عليه نفع لم يخل عن وجه انتهى وفيه إنه يلزم منه أن يكون الاشتغال بالدعوة عبثاً ولا يقول به المؤمن وذلك لأنه لا يجوز للنبي عليه السلام التشاغل بأهل التغافل إلا بطريق التبليغ والإرشاد فكيف لا يترتب عليه نفع وفي تقديم ضميره عليه السلام، وهو أنت على الفعلين تنبيه على أن مناط الإنكار خصوصيته عليه السلام، أي مثلك خصوصاً لا ينبغي أن يتصدى للمستغنى ويتلهى عن الفقير الطالب للخير وفي تقديم له وعنه للتعريض باهتمامه عليه السلام، بمضمونهما تنبيه حيث أفادت القصة أن العبرة بالأرواح والأحوال لا بالأشباح والأموال والعزيز من أعزه الله بالإيمان والطاعة وإن كان بين الناس ذليلاً والذليل من أذله الله بالكفر والمعصية وإن كان بين الناس عزيزاً روى إنه عليه السلام ما بعس بعد ذلك في وجه ففير قط ولا تصدى لغني وكان الفقراء في مجلسه عليه السلام، أمراء يعني كان يحترمهم كل الاحترام وفيه تأديب للصغير بالكبير فحملة الشرع والعلم والحكام مخاطبون في تقريب الضعيف من أهل الخير وتقديمه على الشريف العاري عن الخير بمثل ما خوطب به النبي عليه السلام، في هذه السورة قال بعضهم : بين الله درجة الفقر وتعظيم أهله وخسة الدنيا وتحقير أهلها فصح الاشتغال بصحبة الفقراء لأن فيم نعت الصدق والتجرد فالصحبة معهم مفيدة بخلاف الاشتغال بصحبة الأغنياء إذ ليس فيهم ذلك فالصحبة معهم ضائعة وفي الحديث :"من تحامل على فقير لغني فقد هدم ثلث دينه" يقال : تحاملت على الشيء إذا تكلفت الشيء على مشقة وتحامل فلان على فلان إذا لم يعدل وقال بعض الأكابر إنما كان صلى الله عليه وسلّم يتواضع لأكابر قريش لأن الأعزاء من الخلائق مظهر لعزة الإلهية فكان تقديمهم على الفقراء من أهل الصفة ليوفي صفة الكبرياء حقها إذا لم يشهد لها مشاركاً ولكن فوق هذا المقام ما هو أعلى منه وهو ما أمره الله به آخراً بعدما صدر سورة عبس في قوله واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشى الآية فأمره بأن لا يشهده في شيء دون شيء للإطلاق الذي هو الحق عليه كما قال جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني الحديث كم افي الجواهر للشعراني
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠
﴿كَلا﴾ انزجر من التصدي للمستغني والإعراض عن إرشاد المسترشد قال الحسن : لما تلا جبرائيل هذه الآيات على النبي عليه السلام عاد وجهه كأنما استف فيه الرماد أي تغير كأنما ذر عليه الرماد ينتظر ما يحكم الله عليه فلما
٣٣٣
قال كلا سرى عنه والتسرية ندوه رابردن.