أي لا تفعل مثل ذلك فإنه غير لائق بك ﴿إِنَّهَا﴾ أي القرآن والتأنيث باعتبار الخبر وهو قوله ﴿تَذْكِرَةٌ﴾ أي موعظة يجب أن يتعظ بها ويعمل بموجبها ﴿فَمَن﴾ س هركه ﴿شَآءَ ذَكَرَهُ﴾ أي القرآن أي حفظه ولم ينسه أو اتعظ به ومن رغب عنه كما فعله المستغنى فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره ﴿فِى صُحُفٍ﴾ جمع صحفة وكل مكتوب عند العرب صحيفة وهو متعلق بمضمر هو صفة لتذكرة وما بينهما اعتراض بين الصفة والموصوف جيء به للترغيب فيها والحث على حفظها أي كائنة في صحف منتسخة من اللوح أو خبر ثان لأن فالجملة معترضة بين الخبرين والسجاوندي على إنه خبر محذوف أي وهي في صحف حتى وضع علامة الوقف اللازم على ذكره هرباً من إيهام تعلقة به وهو غير جائز لأن ذكر من شاء لا يكون في صحف عند الله لكونها صحف القرآن المكرم ﴿مَّرْفُوعَةٍ﴾ أي في السماء السابعة أو مرفوعة المقدار والذكر فإنها في المشهور موضوعة في بيت العزة في السماء الدنيا ﴿مُّطَهَّرَة﴾ منزهة عن مساس أيدي الشياطين ﴿بِأَيْدِى سَفَرَةٍ﴾ كتبة من الملائكة ينتسخون الكتب من اللوح على إنه جمع سافر من السفر وهو الكتب إذ في الكتابة معنى السفراي لكشف والتوضيح والكاتب سافر لأنه يبين الشيء ويوضحه وسمى السفر بفتحتين سفراً لأنه يسفر ويكسف عن أخلاق المرء قالوا هذه اللفظة مختصة بالملائكة لا تكاد تطلق على غيرهم وإن جاز الإطلاق بحسب اللغة والباء متعلقة بمطهرة فقال القفال في وجه لما لم يسمها إلا الملائكة المطهرون أضيف التطهير إليها لطهارة من يمسها وقال القرطبي إن المراد في قوله تعالى :[الواقعة : ٧٩-١٦]﴿لا يَمَسُّه إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ هؤلاء السفرة الكرام البررة والظاهر أن تكون في محل الجر على إنها صفة لصحف أي في صحف كائنة بأيدي سفرة أو مكتوبة بأيدي سفرة ومن هذا وقف بعضهم على مطهرة وقفاً لازما هرباً من توهم تعلق الباء به كرام} عند الله بالقرب والشرف فهو من الكرامة جمع كريم أو متعطفين على المؤمنين يستغفرون لهم فهو من الكرم ضد اللؤم وقال ابن عطاء رحمه الله يريد أنهم يتكرمون أن يكونوا مع ابن آدم إذا خلا مع زوجته للجماع وعند قضاء الحاجة يشير إلى أنهم هم الملائكة الموصوفون بقوله كراماً كاتبين وفيه تأمل ﴿بَرَرَةٍ﴾ اتقياء لتقدسها عن المواد ونزاهة جواهرها عن التعلقات أو مطيعين الله من قولهم فلان يبر خالقه أي يطيعه أو صادقن من بر في يمينه جمع بار مثل فجرة جمع فاجر ﴿قُتِلَ الانسَـانُ﴾ دعاء عليه بأشنع الدعوات فإن القتل غاية شدائد الدنيا وأفظعها ومن فسر القتل باللعن أراد به الإهلاك الروحاني فإنه أشد العقوبات وهو بالفارسية لعنت كرده باد انسان يعني كافر.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠
وفي "عين المعاني" عذب ﴿مَآ أَكْفَرَهُ﴾ ما أشد كفره بالله مع كثرة إحسانه إليه وبالفارسية ه كافر ترين خلقست.
تعجب من إفراطه في الكفران أي على صورته فإن حقيقة التعجب إنما تتصور من الجاهل بسبب ما خفى من سبب الشيء والذي أحاطه علمه بجميع المعلومات لا يتصور منه ذلك فهو في الحقيقة تعجيب من الله لخلقه وبيان لاستحقاقه للدعاء عليه أي أعجبوا من كفره بالله
٣٣٤
ونعمه مع معرفته بكثرة إحسانه إليه وادعوا عليه بالقتل واللعن ونحو ذلك لاستحقاقه لذلك، قال بعضهم : لعن الله الكافر وعظم كفره حيث لم يعرف صانعه ولم يعرف نفسه التي لو عرفها عرف صانعها.
وقال ابن الشيخ : هذا الدعاء وارد على أسلوب كلام العرب فهو ليس من قبيل دعاء من يعجز عن انتقام من يسوءه وكذا هذا التعجب ليس على حقيقته لأنه تعالى منزه عن العجز والجهل بل المقصود بإيراد ما هو في صورة الدعاء الدلالة على سخطه العظيم والتنبيه على إنه استحق أهول العقوبات وأشنعها وبإيراد صيغة التعجب الذم البليغ له من حيث ارتكابه أقبح القبائح ولا شك أن السخط يجوز من الله وكذا الذم ويجوز أن يكون ما أكفره استفهاماً بمعنى التقريع والتوبيخ أي أي شيء حمله على الكفر والمراد من الإنسان إما من استغنى عن القرآن المذكور نعوته وإما الجنس باعتبار انتظامه له ولأمثاله من أفراده لا باعتبار جمع أفراده ﴿مِنْ أَىِّ شَىْءٍ خَلَقَهُ﴾ أي من أي شيء حقير مهين خلقه يعني نمى انديشدكه خداي تعالى ازه جيز بيافريد اورا.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠


الصفحة التالية
Icon