ثم بينه بقوله ﴿مِن نُّطْفَةٍ﴾ قذرة ﴿خَلَقَهُ﴾ فمن كان أصله مثل هذا الشيء الحقير كيف يليق به التكبر والتجبر والكفران بحق النمعم الذي كسا ذلك الحقير بمثل هذه الصورة البهية وقف السجاوندي على قوله من نطفة حتى وضع عليه علامة الوقف المطلق بتقدير خلقه آخر بدلالة ما قبله وجعل قوله خلقه فقدره جملة أخرى استئنافية لبيان كيفية الخلق وإتمامه من إنعامه ومن جعله متعلقاً بما بعده على ما هو الظاهر لم يقف عليه ﴿فَقَدَّرَهُ﴾ فهيأه لما يصلح له ويليق به من الأعضاء والأشكال أي أحدثه بمقدار معلوم من الأعضاء والأشكال والكمية والكيفية فجعله مستعداً لأن ينتهي فيها إلى القدر اللائق بمصلحته فلا يلزم عطف الشيء على نفسه وذلك إن خلق الشيء أيضاً تقديره وإحداثه بمقدار معلوم من الكمية والكيفية وبالفارسية س انداره أو بديد كرد ازا عضا وأشكال وهيئات در بطن ما دره أو فقدره أطوار إلى أن تم خلقه فالتقدير المتفرع على الخلق مأخوذ من القدر بمعنى الطور أي أوجده على التقدير الأولى ثم جعله ذا أطوار من عقة ومضغة إلى آخر أطواره ذكراً أو أنثى شقياً أو سعيداً.
قال بعضهم : وعلى الوجهين فالفاء للتفصيل فإن التقدير يتضمنه عى المعنيين ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ﴾ منصوب بمضمر يفسره الظاهر أي سهل مخرجه من البطن بأن فتح فم الرحم وكان غير مفتوح قبل الولادة وألهمه أن ينتكس بأن ينقلب ويصير رجله من فوق ورأسه من تحت وللاو ذلك لا يمكثها أن تلد أو يسر له سبيل الخير والشر في الدين ومكنه من السلوك فيهما وذلك بالأقدار والتعريف له بما هو نافع وضار والعقل وبعثة الأنبياء وإنزال الكتب ونو ذلك وتعريف السبيل باللام دون الإضافة بأن يقال سبيله للإشعار بعمومه لأنه عام للأنس والجن على المعنى الثني وللحيوانات أيضاً على المعنى الأول قال ابن عطاء رحمه الله يسر على من قدر له التوفيق طلب رشده واتباع نجاته وقال أبو بكر بن طاهر رحمه الله يسر على كل أحد ما خلقه له وقدره عليه ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ﴾ أي قبض روحه عند تمام أجله المقدر المسمى ﴿فَأَقْبَرَهُ﴾ أي جعله في قبر يواري فيه تكرمة له ولم يدعه مطروحاً على وجه الأرض جزراً أي قطعاً
٣٣٥
للسباع والطير كسائر الحيوان، قال في "كشف الأسرار" : لم يجعله مما يطرح للسباع أو يلقى للنواويس والقبر مما أكرم به المسلمون انتهى.
يقال قبر الميت إذا دفنه بيده والقابر هو الدافن والقبر هو مقر الميت وأقبره إذ أمر بدفنه أو مكن منه فالمقبر هو الله لأنه الآمر بالدفن في القبور قال في المفرات أقبرته جعلت له مكاناً يقبر فيه نحو أسقيته جعلت له ماء يستقى منه وقيل معناه ألهم كيف يدفن انتهى.
(وفي المثنوى) :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠
كندن كورى كه كمتر يشه بود
كي زمكر وحيله والديشه بود
جمله حرفتها يقين ازوحى بود
اول أوليك عقل آنرا فزود
وعد الأماتة من النعم بالنسبة إلى المؤمن فإن بالموت يتخلص من سجن الدنيا وأيضاً إن شأن الموت أن يكون تحفة ووصلة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم وإنما كان مفتاح كلا بلاء ومحنة في حق الكافر من سوء اعتقاده وسيئات أعماله وفي بعض التفاسير ذكر الأماتة إما لأنها مقدمة الأقبار وإما للتخويف والتذكير بأن الحياة الدنيوية فانية آخرها الموت وعن الشافعي رحمه الله :
فلا تمشين في منكب الأرض فاخراً
فعما قليل يحتويك ترابها


الصفحة التالية
Icon