وفي التأويلات النجمية : كلا لما يقض ما أمره من الإتيان بمواجب حقوقنا من الظهور بحقائق أسمائنا والقيام بفضائل صفاتنا ﴿فَلْيَنظُرِ الانسَـانُ إِلَى طَعَامِهِ﴾ شروع في تعداد النعم المتعلقة
٣٣٧
ببقائه بعد تفصيل النعم المتعلقة بحدوثه أي فلينظر الإنسان إلى طعامه الذي عليه يدور أمر معاشه كيف دبرناه وقال ابن عباس رضي الله عنهما : فلينظر الإنسان إلى طعامه ليعلم خسة قدره وفناء عمره وفي الحديث :"إن مطعم ابن آدم جعله الله مثلاً للدنيا وإن قزحه وملحه فنظر إلى ماذا يصير" يقال قزح القدر جعل التابل فيها وهو كصاحب وهاجر إبزار الطعام وملحها جعل الملح فيها ﴿أَنَّا صَبَبْنَا﴾ أنزلنا إنزالاً وافياً من السحاب أي الغيث وهو المطر المحتاج إليه بدل اشتمال من طعامه لأن الماء سبب لحدوث الطعام فالثاني مشتمل على الأول إذ لا يلزم فيه أن يكون المبدل منه مشتملاً على البدل فحينئذٍ العائد محذوف والتقدير صببا له ﴿صَبًّا﴾ عجيباً ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الارْضَ﴾ بلنبات ولما كان الشق بعد الصب أورد كلمة ثم الشق بالفارسية شكافتن ﴿شَقًّا﴾ بديعاً لائقاً بما يشقها من النبات صغراً وكبراً وشكلاً وهيئة ﴿فَأَنابَتْنَا فِيهَا﴾ أي في الأرض المشقوقة بالنبات والفاء للتعقيب ﴿حَبًّا﴾ فإن انشقاق الأرض بالنبات لا يزال يتزايد ويتسع إلى أن يتكامل النمو وينعقد الحب والحب كل ما حصد من نحو الحنطة والشعير وغيرهما وهو جنس الحبة كالتمر والتمرة فيشمل القليل والكثير قدمه لأنه الأصل في الغذاء ﴿وَعِنَبًا﴾ عطف على حبا وليس من لوازم العطف أن يقيد المعطوف بجميع ماقيد به المعطوف عليه فلا ضير في خلو إنبات العنب عن شق الأرض وكذا في أمثاله، كذا قال في "الإرشاد" ولعل شق الأرض فيه باعتبار أصله أول خروجه منها فإن المراد هنا شجرة العنب وإنما ذكره والزيتون باسم اثمرة لشهرتهما بها ووقوع كل منهما بعد ما يؤكل نفسه فاعرف وأفرد العنب بالذكر من بين الثمار لأنه فاكهة من وجه يتلذذ به وطعام من وجه يتغذى به وهو من أصلح الأغذية ﴿وَقَضْبًا﴾ أي رطبة وهي نبات يقال له الفصفصة وبالفارسية اسست ومعربه الاسفست.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠
سميت بمصدر قضبه أي قطعه مبالغة كأنها لتكرر قطعها وتكثره إذا تقضب مرة بعد أخرى في السنة نفس القطع وعن ابن عباس رضي الله عنهما إنه الرطب التي تقضب من النخل ورجحه بعضهم لمناسبته بالعنب وقال بعضهم : هو مثل النعناه والطرحون والكراث وغيرها التي قطع ساقها من أصلها يعني للأكل وبعضهم هو القت الرطب أفرده بالذكر تنبيهاً على اختلاف النباتات وإن منها ما إذا قطع عاد ونمها ما لا يعود والقت حب الغاسولو هو الاشنان وقيل : هو حب يابس أسود يدفن فيلينقشره ويطحن ويخبز يقتاته إعراب طي وبعضهم هو كل ما يؤكل رطباً كالبطيخ والخيار والباذنجان والدباء ﴿وَزَيْتُونًا﴾ هو ما يعصر منه الزيت والمراد شجرته وتعمر ثلاثة آلاف سنة خصه بالذكر لكثرة فوائده خصوصاً لأهالي بلاد العرب فإنهم ينتفعون به أكلاً وإدهاناً واستضاءة وتطهراً فإنه يجعل في الصابون وكان عليه السلام يتطيب به في الأوقات ﴿وَنَخْلا﴾ هو شجر التمر جمع خلة والرطب والتمر من أنفع الغذاء وفي العجوة خاصية دفع السم والسحر وشجرته من فضلة طينة آدم عليه السلام، كما سبق مفصلاً ﴿وَحَدَآاـاِقَ غُلْبًا﴾ جمع حديقة وهي الروضة ذات الشجر أو البستان من النخل والشجر أو كل ما أحاط به البناء والقطعة من النخل كما في "القاموس" وهي هنا من قبيل التعميم
٣٣٨
بعد التخصيص والغلب جمع أغلب كحمر جمع أحمر أو حمراء مستعار من وصف الرقاب يقال الرجل أغلب وأسد أغلب أي غليظ العنق فالمعنى وحدائق عظاماً وصف به الحدائق لتكاثفها وكثرة أشجارها أو لأنها ذات أشجار غلاظ فعلى الأول الاستعارة معنوية وعلى الثاني مجاز مرسل فإن أريد من غلظ اعنق والرقبة مطلق الغلظ بطريق إطلاق المقيد وإرادة المطلق كإطلاق المرسن على الأنف وأجرى على الحدائق وصفاً لها بحال متعلقها وهو الأشجار سمى استعارة بناء على اللغة وفي "كشف الأسرار" الغلب من الشجر التي لا تمثر كالشمار والأرز والعرعر والدرداء ﴿وَفَـاكِهَةً﴾ كثيرة غير ما ذكر والعنب والرمان والرطب من الفواكه عند الإمامين لا عند الأعظم وإن العطف يقتضي المغايرة والظاهر إن مراد الأعظم إن نحو العنب والرطب لكونه مما يؤكل غذاء يحقق القصور في معنى التفكه به أي التنعم بعد الطعام وقبله فلا يتناوله اسم الفاكهة على الإطلاق حتى لو حلف لا يأكل فاكهة لا يحنث بأكله لكونه غذاء من وجه وإن كان فاكهة من وجه آخر وعطف الفاكهة عليه لا ينافي كونه فكهة من وجه لأن المراد بالفاكهة المعطوفة ما هو فاكهة من كل وجه ولا يخفى إن الفاكهة من كل وجه مغايرة لما هو فاكهة من وجه دون وجه فيصح عطفها عليه أو عطفه عليها كما في مواضع من القرآن
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٣٠