در فتوحات مذكور است كه هركاه كه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما دريارا بديدي كفتي يا بحر متى تعود ناراً ووجه الامتلاء إن الجبار تندك وتفرق أجزاؤهما وتصير كالتراب الهائل الغير المتماسك فلا جرم تنصب أجزاؤها في أسافلها فتمتلىء المواضع الغائرة من الأرض فيصير وجه الأرض مستوياً مع البحار فتصير البحار بحراً واحداً مسجوراً أي ممتلئاً وقال بعضهم : ملئت بآسال عذبها على مالحها ثم أسيلت حتى بلغت الثور فابتلعها فلما بلغت إلى جوفه نفدت وعن الحسن رحمه الله يذهب ماؤها حتى لا يبقى فيها قطرة.
قال الراغب : وإنكا يكون كذلك لتسجير النار فيها أي إضرامها والتشديد في مثل هذه الأفعال قد يكون لتكثير الفعل وتكريره والتخفيف يحتمل القليل والكثير وخصت هذه السورة بسجرت موافقة لقوله سعرت لأن معنى سجرت عند أكثر المفسرين أوقدت فصارت ناراً فيقع التوعد بتسعير النار وتسجير البحار وخصت سورة الانفطار بفجرت موافقة لقوله وإذا الكواكب انتثرت لأن في كل من تساقط الكواكب وسيلان المياه على وجه الأرض وبعثرة القبور أي قلب ترابها مزايلة الشيء عن مكانه فلا في كل واحد قرينه وفيه إشارة إلى بحار المعرفة الذاتية ولحكم الصفاتية والعلوم الإسمائية فإنها إذا اتحدت بالتجلي الوحداني تصير بحراً واحداً وهو بجر الذات المشتمل على جميع المراتب وإلى البحار الحاصلة من اعتبارات الوجود وشؤونه الكلية ظاهراً أو باطناً غيباً وشهدة دنيا وآخرة فإنها قد جمعت واتحدت فصار بحر الوجود بحراً واحداً زخاراً لا ساحل له ولا قعر وإلى بحار العناصر بأنه فجر بعضها إلى بعض واتصل كل جزء بأصله فصارت بحراً واحداً ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ﴾ الظاهرنفوس الإنسان ويحتمل أن تعم الجن أيضاً كما في بعض التفاسير ﴿زُوِّجَتْ﴾ التزويج جعل أحد زوجاً لآخر
٣٤٥
وهو يقتضي المقارنة أي قرنت بأجسادها بأن ردت إليها أو قرنت كل نفس بشكلها وبمن كان في طبقتها في الخير واشر فيضم الصالح إلى لصالح والفاجر إلى الفاجر أو قرنت بكتابها أو بعملها فالنفوس المتمردة زوجت بأعمالها السيئة والمطمئنة بأعمالها الحسنة أو نفوس المؤمنين بالحور ونفوس الكفرة بالشياطين وفيه إشارة إلى أن الأرواح الفائضة على هياكل الأشباح من عالم الأمر قرنت ببواعتها وموجباتها التي هي الأسماء والصفات الإلهية وأسبابها اللاهوتية ﴿وَإِذَا الْمَوْءُادَةُ﴾
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٤٣