كما تقولون والتعرض لعنوان المصاحبة للتلويح بإحاطتهم بتفاصيل أحواله عليه السلام، خبراً وعلمهم بنزاهته عما نسبوه إليه بالكلية فإنه كان بين أظهرهم في مدد متطاولة وقد جربوا عقله فوجدوه أكمل الخلائق فيه ولقبوه بالأمين الصادق وقد استدل به على فضل جبرائيل على رسول الله حيث وصف جبريل بست خصال كل واحدة منها تدل على كمال الشرف ونباهة الشأن واقتصر في ذكر رسول الله على نفي الجنون عنه وبين الذكرين تفاوت عظيم وهذا الاستدلال ضعيف إذا لمقصود رد قول الكفرة في حقه عليه السلام، "يا أيها الذين نزلع ليه الذكر إنك لمجنون" لاتعداد فضائلهما والموزنة بينهما على أن توصيف جبريل بهذه الصفات بياناً لشرف سيد المرسلين بالنسبة إليه من حيث إن جبريل مع هذه الصفات هو الذي يؤيده ويبلغ الرسالة إليه فأي رتبة أعلى من مرتبته بعدما ثبت أن السفير بينه وبين ي العرش مثل هذا الملك المقرب وقال سعدي : المفتي الكلام مسوق لحقية المنزل دلالة على صدق ما ذكر فيه من أهوال القيامة على ما يل عليه الفاء السببية في قوله فلا أقسم ولا شك إن ذلك يقتضي وصف الآتي به لذلكبولغ فيه دون وصف من أنزل عليه فلذلك اقتصر فيه على نفي ما بهتوه وفيه إشارة إلى أن الروح ليس بمجنون أي بمستور عن حقائق القرآن ودقائقه وأحكامه وشرائعه ووعده ووعيده بل هو مكشوف له بجميع أسراره ﴿وَلَقَدْ رَءَاهُ﴾ وبالله لقد رأى رسول الله جبريل وفي "عين المعاني" أبصره لا جنياً ﴿بِالافُقِ الْمُبِينِ﴾ أفق السماء ناحيتها والمبين من أبان اللازم بمعنى الظاهر بالفارسية روشن.
أي بمطلع الشمس الأعلى من ناحية المشرق فالمراد بالأفق هنا حيث تطلع الشمس استدلالاً بوصفه بالمبين فإن نفس الأفق لا مدخل له في تبين الأشياء وظهورها وإنما يكون له مدخل في ذلك من حيث كونه مطلعاً لكوكب نير يبين الأشياء والكوكب المبين هو الشمس وإسادا لإبانة إلى مطلعها مجاز باعتبار سببيته لها في الجملة فإن اليبان في الحقيقة لضياء الطالع منه ثم خص من بين المطالع ما هو أعلى المطالع وأرفعنها وهو المطلع الذي إذا طلعت الشمس منه تكون في غاية الارتفاع والنهار في غاية الطول والامتداد وذلك عند ما تكون الشمس عند رأس السطان قبيل تحولها إلى برج الأسد وتوجه النهار إلى الانتقاص وإنما فعل ذلك حملاً للمبين على الكمال فإنه كلما كان الكوكب أرفع وأعلى وكلما كان النهار أطول كان البيان والإظهار أتم وأكمل روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأل جبريل إن يتراآى له في صورته التي خلقه الله عليها فقال ما أقدر على ذلك وما ذاك إلي فإذن له فأتاه عليها وذلك في جبل حراء في أوائل البعثة فرآه رسول الله قد ملأ الآفاق بكلكله رجلاه في الأرض ورأسه في السماء جناح له بالمشرق وجناح له بالمغرب وله ستمائة جناح من الزبرجد الأخضر فغشى عليه فتحول جبريل في صورة بني آدم وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه فقيل لرسول الله ما رأيناك منذ بعثت أحستن منك اليوم فقال عليه السلام، جاءني جبريل في صورته فعلق بي هذا من حسنه قالوا ما رآه أحد من الأنبياء غيره عليه اسلام، في صورته التي جبل عليها فهو من خصائصه عليه السلام.
واعلم أن وقوع الغشيان إنما هو من
٣٥٢
كمال العلم والاطلاع ألا ترى إلى قوله تعالى :﴿لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا﴾ فإن توليه وامتلاءه من الرع ليس عن رؤية أجسامهم فقط لأنهم أناس مثله وإنما هو لما أطله الله عليه حين رويتهم من العلم كما غشى على جبريل ليلة الإسراء حين رأى الرفرف وم يغش على رسول الله، وقال عليه السلام : فعلمت فضل جبريل في العلم فكأنه عليه السلام أشار إلى فضل نفسه أيضاً لما غشى عله برؤية جبريل عى صورته الأصلية وإنما لم يغش عليه حين رأى الرفرف كما غشى على جبريل لأنه إذ ذاك في نهاية التمكين وفرق بين البداية والنهاية والله أعلم.
قال القاشاني : ولقد رآه بالأفق المبين أي نهاية طور القلب الذي يلي الروح وهو مكان القاء النافث القدسي على أن المراد بالرسول روح القدس النافث في روع الإنسان.
وقال في التأويلات النجمية : أي رأى جبريل الروح حضرة ربه عند أفق البقاء بعد الفناء وما هو} أي رسول الله ﴿عَلَى الْغَيْبِ﴾ أي على ما يخبره من الوحي إلي وغيره من الغيوب ﴿بِضَنِينٍ﴾ أي ببخيل أي لا يبخل بالوحي فيزوى بعضه غير مبلغه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ما عنده حتى يأخذ عليه حلواناً أي أجرة أو يسأل تعليمه فلا يعلمه وفيه إشارة إلى أن إمساك العلم عن أهله بخل منضن بالشيء ضن بالفتح ضناً بالكسر وضنانة بالفتح أي بخل فهو ضنين به أي بخيل ويضن بالكسر لغة والفتح أفصح ذكره البيهقي في تهذيب المصادر في باب ضرب حيث قال الضن : والضنانة بخيلى كردن.


الصفحة التالية
Icon