والغابر يضن والفتح أفصح فيكون من باب علم كما صرح به بعضهم بقوله هو من ضننت بالشيء بكسر النون وهو قراءة نافع وعاصم وحمزة وابن عامر قال في النشر كذلك هو في جميع المصاحف أي المصاحف التي يتداولها الناس وإلا فهو في مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالظاء وقرىء بظنين على إنه فعيل بمعنى المفعول أي بمتهم أي هو ثقة في جميع ما يخبره لا يتوهم فيه إنه ينطق عن الهوى من الظنة وهي التهمة واتهمت فلاناً بكذا توهمت فيه ذلك اختار أبو عبيدة هذه القراءة لأن الكفار لم يبخلوه وإنما اتهموه فنفى التهمة أولى من نفى البخل ولأن البخل يتعدى بالباء لا بعلي.
وفي "الكشاف" هو في مصحف عبد الله بالظاء وفي مصحف أبي بالضاد وكان رسول الله عليه السلام يقرأ بهما ولا بد للقارىء من معرفة مخرجي الضاد والظاء فإن مخرج الضاد من أصله حافة اللسان وما يليها من الأضراس من يمين اللسان أو يساره ومخرج الظاء من طرف اللسان وأصول الثنايا العليا فإن قيل فإن وضع المصلي أحد الحرفين مكان الآخر قلنا قال في "المحيط البرهاني" إذا أتى بالظاء مكان الضاد أو على العكس فالقياس أن تفسد صلاته وهو قول عامة المشايخ وقال مشايخنا بدم الفساد للضرورة في حق العامة خصوصاً العجم فإن أكثرهم لا يفرقون بين الحرفين وإن فرقوا ففرقا غير صواب وفي "الخلاصة" لو قرأ بالظاء مكان الضاد أو بالضاد مكان الظاء تفسد صلاته عند أبي حنيفة ومحمد وإما عند عامة المشايخ كأبي مطيع البلخي ومحمد بن سلمة لا تفسد صلاته ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَـانٍ رَّجِيمٍ﴾ أي قول بعض المسترقة للسمع دل عليه توصيفه بالجريم لأنه بمعنى المرمى بالشهب وهو نفي لقولهم
٣٥٣
إنه كهانة وسحر كما قال وما تنزلت به الشياطين وفيه إشارة إلى إنه ليس محمد القلب عند الأخبار عن المواهب الغيبية ولإلهامات السرية بمتهم بالكذب والافتراء وما هو بقول بعض القوى البشرية ﴿فَأيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ استضلال لهم فيما يسلكونه في أمر القرآن والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ظهور إه وحي مبين وليس مما يقولون في شيء كما تقول لمن ترك الجادة بعد ظهورها هذا الطريق الواضح فأين تذهب شبهت حالهم بحال من يترك الجادة وهو معظم الطريق ويتعسف إلى غير المسلك فإنه يقال له أين تذهب استضلالاً له وإنكاراً على تعسفه فقيل لمن يقول في حق القرآن ما لا ينبغي من وضوح كونه وحياً حقاً أي طريق تسكلون آمن من هذه الطريقة التي ظهرت حقيتها ووضحت استقامتها وأين ظرف مكان مبهم منصوب بتذهبون قال أبو البقاء التقدير إلى أين فحذف حرف الجر ويجزو أن لا يصار إلى الحذف بل إلى طريق التضمين فكأنه قيل أين تؤمون وقال الجنيد قدس سره أين تذهبون عنا وإن من شيء إلا عندنا.
وفي التأويلات النجمية : فأين تذهبون من طريق الحق إلى طريق الباطل وتركون الاقتداء بالروح وتختارون اتباع النفوس ﴿إِنْ هُوَ﴾ إن نافية والضمير إلى القرآن أي ما هو ﴿إِلا ذِكْرٌ لِّلْعَـالَمِينَ﴾ موعظة وتذكير لهم والمراد الإنس والجن بدلالة العقل فإنهم المحتاون إلى الوعظ والتذكير ﴿لِمَن شَآءَ مِنكُمْ﴾ أيها المكلفون بالإيمان والطاعة وهو بدل من العالمين بإعادة الجار بدل البعض من الكل ولا تخالف بين الأصل المتبوع والفرع التابع لأن الأول باعتبار الذات والثاني باعتبار التبع ﴿أَن يَسْتَقِيمَ﴾ مفعول شاء أي لمن شاء منكم الاستقامة بتحري الحق وملازمة الصواب وإبداله من العالمين مع إنه ذكر شامل لجميع المكلفين لأنهم هم المنتفعون بالتذكير دون غيرهم فكأنه مختص بهم ولم يوغظ به غيرهم ﴿وَمَا تَشَآءُونَ﴾ أي الاستقامة مشيئة مستتبعة لها في وقت من الأوقات يا من يشاؤها وذلك إن الخطاب في قوله لمن شاء منكم يدل على إن منهم من يشاء الاستقامة ومن لا يشاؤها فالخطاب هنا لمن يشاؤها منهم يروى أن أبا جهل لما سمع قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم قال الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم وهو رأس القدرية فنزل قوله تعالى :﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلا أَن يَشَآءَ اللَّهُ﴾ من إقامة المصدر موقع الزمان أي إلا وقت أن يشاء الله تلك المشيئة المستتبعة للاستقامة فإن مشيئتكم لا تستبعها بدون مشيئة الله لها لأن الشميئة الاختيارية مشيئة حادثة فلا بدلها من محدث فيتوقف حدوثها على أن يشاء محدثها إيجادها فظهر إن فعل الاستقامة موقوف على إرادة الاستقامة وهذه الإرادة موقوفة الحصول على أن يريد الله أن يعطيه تلك الإرادة والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء فأفعال اعباد ثبوتاً ونفياً موقوفة الحصول على مشيئة الله كما عليه أهل السنة ﴿رَبُّ الْعَـالَمِينَ﴾ مالك الخلق ومربيهم أجمعين بالأرزاق الجسمانية والروحانية وفي الحديث القدسي يا ابن آدم تريد وأريد فتتعب فيما تريد ولا يكون إلا ما أريد قال وهب بن منبه قرأت في كتب كثيرة مما أنزل الله على الأنبياء إنه من جعل إلى نفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر قال أبو بكر الواسطي قدس سره أعجزك في جميع
٣٥٤