زيداً إذا كان القاتل واحداً منهم قال الامام السهيلي رحمه الله قوله : يا أيها الإنسان يريد أمية بن خلف ولكن اللفظ عام يصلح له ولغيره وقيل نزلت في الوليد بن المغيرة أو الأسود بن كلدة المحي قصد النبي عليه السلام في بطحاء مكة فلم يتمكن منه فلم يعاقبه الله على ذلك وفي زهرة الرياض ضرب على يافوخ رسول الله عليه السلام، فأخذه رسول الله وضربه على الأرض فقال له يا محمد الأمان الأمان مني الجفاءو منك الكرم فإني لا أوذيك أبداً فتركه رسول الله عليه السلام ﴿مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ ما استفهامية في موضع الابتاء وغرك خبره والاستفهام بمعنى الاستهجان والتوبيخ والمعنى أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه وأمنك من عقابه وقد علمت ما بين يديك من الدواهي وما سيكون حينئذٍ من مشاهدة أمالك كلها يقال غره بفلان إذا جرأه عليه وأمنه المحذور من جهته مع إنه غير مأمون والتعرض لعنوان كرمه تعالى للإيذان بأنه ليس مما يصلح أن يكون مدار الاغترار حسبما يغويه الشيطان ويقول له أفعل ما شئت فإن ربك كريم قد تفضل عليك في الدنيا وسيفعل مثله في الآخرة فإن قياس عقيم وتمنية باطلة بل هو مما يوجب المبالغة في الإقبال على الإيمان والطاعة والاجتناب عن الكفر والعصيان كأنه قيل ما حملك على عصيان ربك الموصوف بالصفات الزاجرة عن الداعية ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لما قرأها غره جهله وقال الحسن البصري رحمه الله غره والله شيطنه فظهر أن كرم الكريم لا يقتضي الاغترار به بل هو يقتضي الخوف والحذر من مخالفته وعصيانه من حيث إن إهمال الظالم ينافي كونه كريما بالنسبة إلى المظلوم وكذا التسوية بين الموالي والمعادي فإذا كان محض الكرم لاي قتضي الاغترار به فكيف إذا انضم إليه صفة القهر ولله الأسماء المتقابلة ولذا قال نبيء عبادي إني أنا الغفور الرحيم وإن عذابي هو العذاب الأليم.
قال القاشاني : كان كونه كريما يسوغ الغررو ويسهله لكن له من النعم الكثيرة والمنن العظيمة والقدرة الكاملة ما يمنع من ذلك أكثر من تجويز اكرم إياه وقيل للفضيل بن عياض رحمه الله، إن أقامك الله يوم القيامة وقال مالك ما غرك بربك الكريم ماذا تقول قال أقول غرتني ستورك المرخاة ونظمه ابن السماك فقال :
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٥٥
يا كاسب الذنب أما تستحي
والله في الخلوة ثانيكا
غرك من ربك إمهاله
وستره طول مساويكا
قال صابح الكشاف قول الفضيل على سبيل الاعتراف بالخطا في الاغترار بالستر وليس بعتذار كما يظنه الطماع ويظن به قصاص الحشوية ويرونه من أئمتهم إنما قال بربك الكريم دون صفاته من الجبار والقهار والمنتقم وغير ذلك ليلقن عبده الجواب حتى يقول غرني كرم الكريم.
يقول الفقير : الحق إن هذا الباب مما يقبل الاختلاف بالنسبة إلى أحوال الناس فلي من يفهم الإشارة كمن لا يفهما وكم من فرق بين ذنب وذنب وظن وظن ولذا قال أهل الإشارة إيراد الاسم الكريم من بين الأسماء كأنه من جهة التلقين.
٣٥٧
خود تو دادي مده لا تقسطوا
من را ترسم زعصيان عتو
ون توهر شكسته راسازي درست
س خطاها بر آميد عفوتست
وقال يحيى بن معاذ رحمه الله غرني برك سالفا وآنفا.
يقول مولاي أما تستحي
مما أرى من سوء أفعالك
فقلت يا مولاي رفقا فقد
أفسدني كثرة أفضالك
وعن علي رضي الله عنه إنه صوت بغلام له مراراً فلم يجبه وهو بالباب فقال لم لم تجبني فقال لثقتي بحلمك وأمتي من عقوبتك فأعتقه إحساناً لقوله وقال بعض أهل الإشارة عجبت من هذا الخطاب الذي فيه تهديد المخالف ومواساة الموافق كيف يخاطب المخالف بخطاب فيه مواساة الموافقففيه من الرموز ما يعرفه إلا أهل الإشارة.
قال بعضهم : رأيت في سوق البصرة جنازة يحملها أربعو ليس معهم مشيع فقلت : لا إله إلا الله سوق البصرة وجنازة رجل مسلم لا يشيعها إحداني لأشيعها فتبعتها وصليت عليها ولما دفنوه سألتهم عنه قالوا : ما نعرفه وأيما اكترتنا تلك المرأة وأشاروا إلى امرأة واقفة قريباً من القبر ثم انصرفوا فرفعت المرأة يدها إلى السماء تدعو ثم ضحكت واصنرفت فتعلقت بها وقلت لا بد أن تخبريني بقضيتك فقالت إن هذا الميت ابني ومن يترك شيئاً من المعاصي إلا فعله فمرض ثلاثة أيام فقال لي : يا أمي إذا مت لم تخبري الجيرن بموتي فإنهم فرحون بموتي ولا يحضرون جنازتي ولكن اكتبي على خاتمي لا إله إلا الله محمد رسول الله وضعيه في أصبعي وضعي رجلك على خدي إذا مت وقولي هذا جزاء من عصى الله فإذا دفتني فارفعي يديك إلى الله وقولي الهم إني رضيت عنه فارض عنه فلما مات فعلت جميع ما أوصاني به فلما رفعت يدي إلى السماء ودعوت سمعت صوته بلسان فصيح انصرفي يا أمي فقد قدمت على رب كريم رحيم فرضي عني فلذلك ضحكت سروراً بحاله أولاده الامام القشيري في شرح الأسماء.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٥٥