وفي الحديث الصحيح) : إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه وسرته فيقول أتعرف ذنب كذا فيقول نعم أي رب حتى قرره بذنوبه ورأى في نفسه إنه هلك قال سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفر لك اليوم ﴿الَّذِى خَلَقَكَ﴾ صفة ثانية مقررة للربوبية مبينة للكرم لأن الخلق إعطاء لوجود وهو خير من العدم منبهة على أن من قدر على الخلق وما يليه بدأ قدر عليه إعادة أي خلقك بعد أن لم تكن شيئاً ﴿فَسَوَّاـاكَ﴾ أي جعل أعضاءك سوية سليمة معدة لمنفعها أي بحيث يترتب على كل عضو منها منفعته التي خلق ذلك العضو لأجلها كالبطش لليد والمشي للرجل والتكلم للسان والأبصار للبصر والسمع للأذن إلى غير ذلك ﴿فَعَدَلَكَ﴾ عدل بعض تلك الأعضاء ببعض بحيث أعتدلت ولم تتفاوت مثل أن تكون إحدى اليدين أو الرجلين أو الأذنين أقول من الآخرى أو تكون إحدى العينين أوسع من الأخرى أو بعض الأعضاء أبيض وبعضها أسود أو بعض الشعر فأحما وبعضه أشقر قال علماء التشريح إنه تعالى ركب جانبي هذه الجنة على التساوي
٣٥٨
حتى إنه لا تفاوت بين نصفيه لا في العظام ولا في إشكالها ولا في الأوردة والشرايين والأعصاب النافذة فيا والخارجة منها فكل ما في أحد الجانبين مساوٍ لما في الجانب الآخر ويقال عدله عن الطرق أي صرفه فيكون المعنى فصرفك عن الخلقة المكروهة التي هي لسائر الحيوانات وخلقك خقة حسنة مفارقة لسائر الخلق كما قال تعالى :﴿فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ وقرىء فعدلك بالتشديد أي صيرك معتدلاً متناسب الخلق من غير تفاوت فيه فهو بالمعنى الأول من المخفف وقال الجنيد قدس سره تسوية الخلقة بلمعرفة وتعديلها بالإيمان وقال ذو النون قدس سره أوجدك فسخر لك المكونات أجمع ولم يسخرك لشيء منها.
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٥٥
وفي التأويلات النجمية : يا أيها الإنسان المخلوق على صورته كأنك غرك كال المظهرية وتمام المضاهاة خلقك في أحسن صورة فسواك في أحسن تقويم فجعل بنيتك الصورية وبنيتك المعنوية سليمة مسواة ومعتدلة ومستعدة لقبول جميع الكمالات الإلهية والكيانية كما قال عليه السلام أوتيت جوامع الكلم أي الكلم الإلهية والكلم الكيانية في أي صورة ما شاء ركبك} الجار متعلق بركبك وما مزيدة لتعميم النكرة وشاء صفة لصورة والعائد محذوف وإنما لم يعطف الجملة على ما قبلها لأنها بيان لعدلك والمعنى ركبك في أي صورة شاءها واقتضتها مشيئته وحكمته من الصور العجيبة الحسنة أو من الصور المختلفة في الحسن والقبح والطول والقصر والذكورة والأنوثة والشبه بعض الأوقات وخلاف الشبه كما في الحديث إن النطفة إذا استقرت في الرحم أحضرها الله كل نسب بينهما وبين آدم وصورها في أي شبيه شاء وقال الواسطي رحمه الله صور المطيعين والعاصين فمن صوره على صورة الولاية ليس كمن صوره على صورة العداوة أي صور بعضهم على الصورة الجمالية اللطفية وبعضهم على الصورة الجلالية القهرية قال حضرة شيخي وسندي قدس سره في كتاب اللائحات البرقيات له لاح بيالي إن تلك الصورة التركيبية تتناول الصورة العلمية والصورة الروحية والصورة المثالية والصورة الجسمية وغير ذلك من الصور المركبة في الأطوار لكن المقصود بالذات إنما هو هذه الأربع والتركيب في الصورة العلمية والروحية عقلي ومعنوي وفي الصورة المثالية والجسمية حسي وروحي والمراد من التركيب في الصورة العلمية ظهور الذات وفي الصورة الروحية ظهور الصفات وفي الصورة المثالية ظهور الأفعال وفي الصورة لجسمية ظهور الآثار وهذه الظهورات من تلك التركيبات بمنزلة النتائج من القياسات وبمنزلة المجوع من الاجتماعات وإجراؤها إنما هي أحكام الوجوب وأحكام الإمكان والمراد من أحكام الوجوب هو الأسماء الإلهية الفاعلة المؤثرة والمراد من أحكام الإمكان هو الحقائق الكونية القابلة المتأثرة والتركيب من هذه أجزاء في أي صورة كان إنما هو لظهور محل يكون مظهر الظهور آثارها وخواصها مجتمعة وعند هذا الظهور الاجتماعيفي ذلك المحل الجامع كالنشأة الإنسانية المخاطبة ههنا إن كانت الغلبة لأجزاء أحكام الوجوب تكون تلك النشأة علوية مائلة إلى جانب العلو والحق هي تكون باقية على فطرة الأصلية الإلهية قابلة مستعدة للفيض والتجلي والوصول إلى عالم القدس وإن كانت الأجزاء أحكام الإمكان تكون تلك النشأة سفلية مائلة إلى جانب السفل والخلق
٣٥٩
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٥٥