وخارجة عن الفطرة الأصلية الأزلية غير قابلة ومستعدة للفيض والتجلي والوصول إلى عام القدس بل تبقى في عالم الدنس مدنسة بدنس الجهالة والغفلة والنسيان لا خبر لها عن نفسها وربها وتكون أعمى وأصم وأبكم لا تعرف يمينها من شمالها ولا ترى شمالها من يمينها أولئك كالأنعام بل هم أضل انتهى.
كلامه روح الله روحه ﴿كَلا﴾ كلمة ردع فالوقف عنها أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله وجعله ذريعة إلى الكفر والمعاصي مع كونه موجباً للشكر والطاعة وقيل توكيد لتحقيق ما بعده بمعنى حقاً فالوقف على ركبك كما رجحه السجاوندي حيث وضع علامة الوقف المطلق على ركبك ﴿بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ﴾ قال في "الإرشاد" عطف على جملة ينساق إليها الكلام كأن قيل بعد الردع بطريق الاتراض وأنتم لا ترتدعون عن ذلك بل تجترئون على أعظم من ذلك حيث تكذبون بدين الإسلام اللذين هما من جملة أحكامه فلا تصدقون سؤالاً ولا جواباً ولا عقاباً ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَـافِظِينَ﴾ حالب من فاعل تكذبون وجمع الحافظين باعتبار كثرة المخاطبين أو باعتبار إن لكل واحد منهم جمعاً من الملائكة كما قال اثنان بالنهار أي تكذبون بالجزاء والحال إن عليكم أيها المكلفون من قبلنا الملائكة حافظين لأعمالهم وبالفارسية نكهبانان ﴿كِرَامًا﴾ جمع كريم أي لدينا يجبرهم في طاعتنا أو بأداء الأمانة إذا لكريم لا يكون حواناً وفي "فتح الرحمن" وصفهم بالكرم الذي هو نفي المذام وقيل كرام يسارعون إلى كتب الحسنات ويتوقفون في كتب السيئات رجاء أن يستغفر ويتوب فيكتبون الذني والتوبة منه معاً وفي زهرة الرياض سماهم كراماً لأنهم إذا كتبوا حسنة يصعدون إلى السماء ويعرضونها على الله ويشهدون ويقولون إن عبدك فلاناً عمل حسنة وإما في السيئة فيسكتون ويقولون إلهي أنت ستار العيوب وهم يقرؤون كل يوم كتابك ويمدحوننا فإنا لا نهتك أستارهم وإما معنى التعطف كما في سورة عبس فلا يلائم هذا المقام كما في بعض التفاسير ﴿كَـاتِبِينَ﴾ للأعمال ﴿يَعْلَمُونَ﴾ لحضورهم وعدم افتراقهم عنكم ﴿مَا تَفْعَلُونَ﴾ من الأفعال قليلاً وكثيراً ويضبطون نفيراً وقطميرا لتجاوزا بذلك.
كتاب تفسير روح البيان ج١٠ من ص٣٦٠ حتى ص٣٦٩ رقم٣٧
جزء : ١٠ رقم الصفحة : ٣٥٥
وفي الحديث) : أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى الحالتين الجنابة والغائط.
قال في "عين المعاني" قوله يعلمون يدل على أن السهو والخطأ وما لا تبعة فيه لا يكتب وكذا ما استغفر منه حيث لم يقل يكتبون انتهى.
وقوله ما تفعلون وإن كان عاماً لأفعال القلوب والجورح لكنه عام مخصوص بأفعال الجوارح لأن ما كان من المغيبات لا يعلمه إلا الله وفي "كشف الأسرار" علمهم على وجهين فما كان من ظاهر قول أو حركة جوارح علموه بطاهره وكتبوه على جهته وما كان من باطن ضمير يقال إنهم يجدون لصالحه رائحة طيبة والطالحة رائحة خبيثة فيكتبونه مجملاً عملاً صالحاً وآخر سيئاً انتهى.
وقد مر بيان هذا المقام في سورتي الزخرف وق فارجع وخص الفعل بالذكر لأنه أكثر من القول ولأن القول قد يراد به الفعل فاندرج فيه وعن الفضيل إنه كان إذا قرأ هذه الآية قال ما أشدها من آية على الغافلين ففيها إنذار وتهويل وتشديد للعصاة وتبشير
٣٦٠